كشف الأمن السعودي مؤخراً عن اعتقال العشرات من الممولين، والمجندين والمحرضين السعوديين في خدمة.. داعش! وقد ثبت أن عدداً غير قليل منهم كان قد مرَّ على «لجان المناصحة» التي عالجتهم فكرياً ونفسياً وأطلقت سراحهم ليعيشوا بأمان في مجتمعهم ومع عائلاتهم، ولكنهم كانوا يمثلون مع لجنة المناصحة، وعادوا إلى الظلامية والدم والحقد الذي يعيشون فيه!
عندنا شملت مكارم الحسين رحمه الله عدداً من المحكومين بنشاطات تخريبية فأطلق سراحهم ثم اكتشفنا بعد مدة ان الزرقاوي الذي كان من بينهم صار قائداً خطيراً للقاعدة في العراق، وانه تكرّم على بلده، وعلى العفو الذي شمله بابتعاث منتحرين دخلوا فنادق عمان وفجروا أنفسهم وقتلوا 64 مواطناً، منهم حوالي العشرين جاءوا من جنين من الضفة المحتلة لحضور احتفال العائلة بزواج أحد أبنائها.. ومنهم العبقري مصطفى العقاد مخرج الرسالة، وعمر المختار وكان قد جاء من أميركا إلى عمان ليلتقي بابنته التي تعيش في بيروت..فقضيا في الدقيقة الأولى من اللقاء!
وفي آخر عفو عام، كان هناك معارضة في مجلس الوزراء، وكالعادة مررت الرغبة نفسها، وخرج المئات من السجون، وبعد أقل من ستة أشهر عاد أكثر من 50% منهم إلى السجون!
والرحمة قبل العدل، هذه قاعدة أخلاقية شائعة في أدبيات التاريخ العربي، ولكن هذا النمط من الإرهاب والجرائم تجعلنا نعود إلى الآية «ولكم في القصاص حياة»، فالمجتمع قبل الرحمة، والعدل هو في خدمة استقراره وعافيته، والمعتدي على حياة المجتمع لا يملك أحد أن يعفو عنه.
نحن لا نعيش حياة القبيلة البسيطة، البريئة إلى حد السذاجة، فهذه مجتمعات تعقدت فيها الحياة، ودخلها الشر في أشكال سياسية وفكرية وحزبية، وهذا الشر حدد له مصالح خارج مصالح المجتمع.. وغصباً عنه.. ولعل الشعار الذي سمعناه: نحكمكم أو نقتلكم هو شعار لا علاقة له بسيكولوجية الإرهاب، وإنما هو الإرهاب ذاته.
لقد استطاع الغربيون أن يجعلوا من جزّ عنق صحفيين أميركيين مركز الاهتمام الذي يستدعي مؤتمر قمة عالميا: في حين أن مصرع نصف مليون سوري وعراقي خلال الثلاث سنوات الأخيرة لا يثير اهتمام أحد. فقد كان المسؤول الأميركي أو الأوروبي يمثل الاهتمام تمثيلاً مسرحياً، لكنه كان في داخله يقول: هم العرب يقتلون بعضهم!
بدأنا الكلام بالعفو، والمسالمة، وتفهم الخطر وما نزال نجد أنفسنا رافضين لهذه القيم العظيمة في تعاملنا مع الإرهابيين، ليس لأن الحياة الإنسانية للفرد كما للجماعة رخيصة.. وإنما لأن الأُمّة واستقرارها وأمنها ورفاهها هي الأولى بالقيم العليا.. بالعفو، والمسالمة والسماحة، لأنها هي مصدر الحياة، والاستمرار، والحق والخير والجمال.
(الرأي)