يتزايد الحديث عن تشكيل تحالف دولي وإقليمي لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وإضعافه. وقد بدأت الولايات المتحدة الأميركية بالفعل شن غارات جوية استهدفت عناصر التنظيم وقتلت أعداداً منهم، وأمّنت غطاءً جوياً ساعد على استعادة زمام المبادرة من قبل الجيش العراقي والقوات الكردية.
وأشارت تقارير إعلامية إلى مشاركة أردنية في التحالف الدولي المطروح. وبينما لم تصدرعلى الصعيد الرسمي الحكومي، تصريحات قطعية واضحة، بقدر ما كانت هناك عبارات عامة مجملة، كالحديث عن ارتباط الأردن بتحالفات دولية وإقليمية، فإنّ ردود الفعل بدأت على تلك التقارير الغربية بالظهور، مثل العريضة التي وقع عليها عدد من النواب أمس، وتطالب بألا يتم توريط الأردن في أيّ تدخل عسكري ضد هذا التنظيم.
على العموم، لا أعتقد أنّ هناك تصوّراً استراتيجياً دولياً ناضجاً، حتى على صعيد الدول العظمى، بشأن طبيعة التدخل العسكري المطروح ومستوياته؛ إذ تكتفي الإدارة الأميركية بالغارات الجوية من جهة، وبإرسال مزيد من الوفود العسكرية للإشراف على المعارك ضد التنظيم من جهة أخرى، لكن ما يزال التعامل مع تمدده في سورية في ظل المشهد المعقد الراهن بمثابة معضلة أمام التفكير الأميركي والغربي.
وفي الأغلب الأعم، لن يتجاوز أي دور أردني، في حالة ارتفع منسوب التدخل العسكري الغربي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، الحدود المعروفة من التعاون الأمني والدعم اللوجستي. ومثل هذه الجوانب تكون، في العادة، غير مطروحة إعلامياً أو سياسياً، ولن تغير من المعادلة المعروفة بالعداء المتبادل ما بين هذا التنظيم والأردن.
مشكلة هذا التنظيم لا تكمن، بالدرجة الأولى، في قدراته العسكرية، وإن كانت تطورت بصورة ملحوظة خلال الآونة الأخيرة؛ بل هي، كما يدرك الأميركيون والغربيون أنفسهم، في أنّه يعكس حجم الأزمة السُنّية في العراق وسورية، وهنا بيت القصيد.
فربما تساهم الضربات العسكرية في إضعافه، وربما إبادة أعداد كبيرة من أتباعه، لكنّها إن لم تترافق مع حل سياسي موازٍ، بل وأسرع منها على أرض الواقع، فإنّ النتائج ستكون عكسية تماماً، وستتمثل في صبّ الزيت أكثر على نار الغضب السُنّي في المنطقة بأسرها، ما يعزز ويدعم التيار المتشدد المتنامي.
ما نراه إلى الآن هو حلّ سياسي بطيء يسير كالسلحفاة عبر عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، التي من المفترض أن تشمل السُنّة، بينما تتسارع الخطوات العسكرية لتدمير التنظيم، هذا فيما يتمثّل أكبر خطأ في اختزال الأزمة السُنّية العراقية في إدخال عدد من القيادات السُنّية على اللعبة السياسية. فالمطلوب هو إعادة هيكلة قواعد النظام السياسي، وإبعاده عن الهيمنة الطائفية والإيرانية.
وهذه مهمة ليست سهلة ولا بسيطة، وتحتاج إلى تفاهمات سياسية دولية وإقليمية عميقة، ما تزال بعيدة المنال.
هذا وذاك يدفع بمطبخ القرار إلى الحذر؛ فبالرغم من أنّنا ننتظر ما تقوله أرقام الاستطلاعات حول موقف الرأي العام الأردني من "داعش"، ومن المفترض أن يكون الموقف الشعبي ضد هذا التنظيم وما يقوم به، إلاّ أنّ المزاج الشعبي، في الوقت نفسه، يتعاطف مع المجتمعات العربية السُنّية في سورية والعراق، الأمر الذي يقتضي مقاربة عميقة ذكية دقيقة، توازن بين هذه الاعتبارات المتضاربة.
صحيح أنّ هذا التنظيم وما يتبناه من أفكار يمثّل خطراً على الأمن الوطني الأردني، ولا شك في أنّها حربنا فعلاً معه، لكنّ هزيمته لا تقف عند الجانب العسكري أو الأمني، وخطورته لا تقع خارج الحدود، بل في داخلها؛ فهي معركة سياسية ومجتمعية وثقافية، قبل أن تكون أمنية، لأنّنا نتحدث عن حالة مجتمعية إقليمية ومحلية مسنّدة بظروف موضوعية تعزز هذا التيار وتدعمه، فأصبحت تمثل امتداداً وقاعدة تحتاج هي إلى هزيمة حقيقية!.
(الغد)