شكا الرجل لصديقه ظروفه المعيشية و ضيق الحال وانعدام فرص العمل، وكيف قد انقضى نصف العقد الرابع من عمره دون ان يتعثّر حتى اللحظة بوظيفة مناسبة تلائم شخصيته الهادئة وقدراته المعقولة وطموحه المستقرّ كأجواء قبرص..
فما كان من الصديق إلا أن بادره السؤال : هل يعقل انك لم تجد طوال عمرك وظيفة ترتاح بها وتنتمي لها لتقضي ما تبقى من عمرك في رضا وقناعة ؟؟؟ ..فهزّ الرجل كتفيه نافياً حصول ذلك البتة مؤكّداً ان المشكلة ليس بما يطلبه وإنما في المعروض..
تناول الصديق الجريدة اليومية بهمة وحماس، وبدأ يبحث عن الصفحات الأخيرة التي تزخر بإعلانات التوظيف عادة ، اخذ نظرة طولية وأخرى أفقية على الصفحة المُحكمة بيده اليمنى ..ثم سأل صاحبه اليائس : كيف أنت والسباحة؟..الصديق: أنا سبّاح ممتاز...ابتسم الصديق ليبشره: مطلوب هنا..منقذ سباحة خبرة لا تقل عن سنتين في السباحة!!..تجهم الرجل الأربعيني معلقاً: لا ..لا..هذه لا تناسبني ، أولاً مسؤولية كبيرة، ثانياً لا تناسب شخصيتي الهادئة ..وقد تعرّضني لمساءلة قانونية وسجن..الم تسمع عن الطفلة التي غرقت في مسبح المدرسة؟؟ لقد حملوا مسؤولية الغرق للمنقذ..أريد وظيفة سهلة وخالية من المسؤولية...
عاد الصديق لمتابعة إعلانات التوظيف: ها..هذه ممتازة لك..مطلوب رجل أربعيني لوظيفة مراقب دوام في شركة خاصة..براتب مغرٍ..ما رأيك؟؟ الرجل البائس: لا ..لا..هذه لا تناسبني أيضا..أولاً مراقبة الدوام مسؤولية كبيرة ، وتولّد خصومة مع الزملاء ، ثالثاً لا تناسب شخصيتي الهادئة..وقد تعرضني لمساءلة قانونية وحسم راتب وسجن ..أنا أريد وظيفة سهلة وخالية من المسؤولية..
الصديق: اسمع..هذه فرصة ذهبية..مطلوب أمين مستودع ..متزوج ،أربعيني ، صاحب شخصية هادئة، المواصلات مؤمنة ..الراتب حسب الكفاءة..للمراجعة تلفون.. ما رأيك؟؟.. الأربعيني اليائس: أعوذ بالله...هذه لا تناسبني إطلاقا..أولاً أمانة المستودع مسؤولية كبيرة، اذا نقصت قطعة أو إذا احترقت البضاعة أو سرقت سأتعرض للسجن لسنوات طويلة وسين وجيم..ثم ان راتبها ضعيف و خطيرة ومرهقة ولا تناسب شخصيتي الهادئة .أنا أريد وظيفة سهلة وخالية من المسؤولية...
نفخ الصديق نفخة ضجر ثم طالع الصفحات من جديد: طيب..اسمع..اعتقد انك سترتاح لهذه الوظيفة...مطلوب رجل امن «سيكيروتي» لمؤسسة حكومية ، شريطة ان يكون اربعينياً ،غير طموح، مسالم ، صاحب شخصية هادئة ، براتب مغر جداً +تأمين صحي وضمان اجتماعي..ما رأيك؟؟.. الرجل الأربعيني : أتعتبر هذه وظيفة تناسبني؟؟؟..اولاً امن المؤسسات مسؤولية كبيرة، قد يدخل المؤسسة مجرم خطر او شخص يحمل حزاما ناسفاً..هنا سأكون أمام خيارين إما أن أموت او يموت رواد المؤسسة لا سمح الله..عندها سأدخل السجن وأتعرض لسين وجيم...ثم ان الحراسة لا تناسب شخصيتي الهادئة ..أنا أريد وظيفة سهلة وخالية من المسؤولية...
أغلق الصديق الجريدة : ثم قال بنفس مرتاح وبال طويل: وجدتها ..انها على مقاسك تماماً...قال الرجل الأربعيني بنفس الروح المهزومة: ما هي؟
الصديق: الا تريد وظيفة سهلة..وخالية من المسؤولية وتناسب شخصيتك الهادئة...وذات راتب مرتفع ووضع اجتماعي ممتاز...
الأربعيني: طبعاً..
الصديق: أفضل وظيفة تناسبك هي «امين عام للأمم المتحدة»..فمهمته الوحيدة : « ان يعرب عن قلقه ازاء ما يجري في الدول»...ولا يتحمل بعدها أدنى مسؤولية ام مساءلة..ما رأيك؟؟
الأربعيني: موافق...
(الرأي)