قلنا في المقال السابق: إن الإسلاميين كانوا هم المسعر الأبرز لدعوات الإصلاح والتغيير في البلاد العربية، خاصة في فترة «الربيع العربي». ومن المعروف ان أية دعوة حتى تلقى قبولاً ونجاحًا، فإن على صاحبها ان يمتلك برامج وأدوات إنجاحها، وقبل ذلك ان يقدم النموذج، وان يضرب من ذاته المثل. فهل توفر ذلك في دعاة الإصلاح من الإسلاميين أفرادًا وجماعات وجمعيات وأحزابًا وحركات؟ لا يحتاج المرء إلى كبير عناء حتى يصل إلى الإجابة النافية، ودليلنا على ذلك هذه الانشقاقات المتوالية في جسم الحركة الإسلامية، والتي يُبرر كل أهل انشقاق منها فعلتهم بأنها رغبة في إصلاح الحركة، أو الجماعة وإعادتها إلى مسارها الصحيح، ومن أجل ذلك تعقد مؤتمرات الإصلاح وتقدم أوراق العمل، ومن أجل ذلك تظهر المبادرات، وتُشكل لجان المصالحة التي لا تصل إلى شيء، لأن هذه الرغبة بإصلاح الحركة الإسلامية تُصدُّ من القيادات المتحكمة بقرار الحركة والمتفردة بها والتي ترفض الرأي الآخر، وهذا يعني ان الحركة الإسلامية مصابة بذات العيوب التي تتهم بها الأنظمة التي تطالب الحركة بإصلاحها و»فاقد الشيء لا يعطيه» كما قالت العرب.
وعلى ذكر القيادات المتحكمة بالحركة الإسلامية كما يقول دعاة إصلاحها من أبنائها، نحب ان نسأل: إلى أي مدى يتم تداول السلطة داخل الحركة الإسلامية، وكلنا يعلم ان غالبية قادة هذه الحركة ظلوا في مواقعهم إلى ان غيَّبهم الموت، وبعضهم زاد جلوسه في موقعه القيادي على العقود الأربعة، وفي الحالات القليلة التي يتم بها تداول السلطة، فإن هذا التداول يظل شكليًا ومحصورًا بين أفراد الحلقة الضيقة من مجموع القيادة العليا، الذين يتبادلون المواقع فيما بينهم كل بضعة سنين.
أبعد من ذلك كله وأخطر، فإن الحركة الإسلامية في تكوينها العالمي ترفض ان يكون الرجل الأول فيها من غير أبناء بلد بِعيْنه، مما يتنافى مع شروط عالمية الإسلام الذي جاء للعالمين، كما يتنافى مع صفة الحركة التي تصر على انها عالمية، وتعمل على اختراق الحواجز والحدود، وهو يتنافى أيضًا مع الديموقراطية والشورى في اختيار الأصلح والأكفأ، بصرف النظر عن جنسه ولونه. وهذا مرض آخر تتهم به الحركة الإسلامية الأنظمة التي تُطالب بإصلاحها.. فالحركة الإسلامية لا تمارس تداول السلطة، وإن فعلته يكون شكليًا.. ومرة أخرى نقول: إن «فاقد الشيء لا يعطيه». وعلى ذكر القيادة من حقنا ان نتساءل: هل تمتلك الحركة الإسلامية في وقتنا الراهن قيادات تاريخية جامعة، قادرة على الفعل والتأثير، من حجم ابن باديس، والفاسي، والبنا. أم ان هناك أزمة قيادة في الحركة الإسلامية على المستويين المحلي والعالمي صار واضحًا للعيان بدليل هذا التشرذم، وهذا الانقسام الذي أصاب، ويصيب الحركة الإسلامية، ليس على الصعيد العالمي فحسب، بل وعلى الصعيد المحلي؟ وأزمة القيادة التي تعاني منها الحركة الإسلامية هو الذي دفع بعض مكوناتها لإيجاد أطر تنسيقية بين امتداداتها المختلفة، من الواضح أن هذه الأطر تركز في تنسيقها على الجوانب السياسية والتمويلية. وهو بالضبط ما يجعل واقع هذه الحركة يتطابق في هذه القضية أيضًا مع واقع الأنظمة التي تطالب بإصلاحها.. ومرة أخرى نقول: إن «فاقد الشيء لا يعطيه».
الانشقاقات المتوالية في الحركة الإسلامية ومثلها غياب تداول السلطة يؤشران إلى إصابتها بمرض خطير من الأمراض التي تتهم بها الحركة الإسلامية الأنظمة التي تدعو إلى تغييرها، أعني به غياب التجرّد والإيثار عند أبناء هذه الحركة، خاصة في أطرها العليا، فلو أتصف هؤلاء بالتجرّد والإيثار لسعوا هم إلى تقديم أخوانهم أصحاب الخبرة والكفاءة ليشاركوا في صناعة قرار الحركة، ولما شهدت الحركة هذا الحجم من الاتهامات بين أبنائها، ومن بينها الاتهام بالاستبداد وعدم سماع الرأي الآخر والدكتاتورية، وهي ذات الاتهامات التي تتهم بها الحركة الإسلامية الأنظمة التي تدعو إلى إصلاحها أو تغييرها.
ما تقدم كله يدفعنا إلى القول: إن على الحركات والجماعات والجمعيات والأحزاب الإسلامية ان تصلح نفسها أولاً، ومن ثم تضع برامج وخططًا للإصلاح القيمي، والاجتماعي، والاقتصادي في بلادها ليصبح الإصلاح السياسي تحصيلاً حاصلاً باختصار: مطلوب من الحركة الإسلامية بشتى ألوانها ومسمياتها ان تضرب من نفسها المثل والقدوة في إصلاح الذات ليكون مدخلاً لإصلاح الآخر. الرأي