من المؤكد أننا ممتنون للذين ينبهون الاردن من اخطار الارهاب، ويعلنون وقوفهم الى جانبه، لكننا تعلمنا ان نحمل الهمَّ وحدنا، وأن نصون امننا الوطني بانفسنا، فالمعاهدة الاردنية - البريطانية لم تدافع عن قرى الضفة الغربية ومذابحها في الخمسينات، والعلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة كانت غائبة عام 1970، حين اجتاحتنا جيوش «شقيقة» وقبلها حين اجتاح الجيش الاسرائيلي نصف المملكة.
ونقف عند داعش واخواتها فنقول: إن داعش ليست التطور الطبيعي الراقي للفكر الاسلامي، وليست حصيلة وعي حضاري على انفسنا وعلى العالم، انها قوة مصنوعة، ومثل هذه القوة قد تكون خطيرة حيث لا دولة كما في سوريا والعراق وليبيا وحتى لبنان، لكن الاردن دولة لها مؤسساتها العسكرية والامنية ولشعبها وعي غلاّب لا تخيفه الصيحة، ولا البراقع السوداء.
لقد شهد العالم العربي تطورا مختلفا في فكر الاخون المسلمين المصريين تأثرا بافكار سيد قطب، لكن هذا التطرف لم يكن غير ردة فعل لقمع الاجهزة الامنية للثورة المصرية، بعد محاولة اغتيال عبدالناصر في الاسكندرية، وتداعيات اكتشاف الجهاز السري في منتصف الستينيات.
وحين وصلت الحرب الباردة الى بلدان الطوق الاسلامي كما كان الاميركيون المهتمون يسمونه بالسنتو باكستان وايران وتركيا، في مواجهة التورط السوفياتي في افغانستان ظهرت الفئات المتطرفة الاسلامية الجهادية التي تولت الحشد ضد الوجود العسكري السوفياتي فيها، وكان ذلك بتمويل وتسليح من قبل الحكومة الاميركية ومن «تبرعات» عربية قدّرها وقتها ياسر عرفات بتسعة عشر مليار دولار، وكعادة الاميركيين بعد انسحاب السوفيات من افغانستان اداروا ظهرهم لها، فاستمرت الحرب بين المجاهدين انفسهم واخذ العرب حصة منها في تنظيم القاعدة الذي كان اخطر مواريثها.
التطرف المسلح الذي تلبّس بالاسلام، إذن، لم يكن وليد تطور فكري طبيعي دعوي، وانما كان حالة مصنوعة.. تولت المخابرات الدولية جزءاً منه، وتولى اصحاب «الطموح» في المنطقة تمويله ودعمه استخبارياً واعلامياً.
الاردني العادي بتكوينه التاريخي المعتدل لم يأخذ بهذا النوع من التطرف، رغم ان حرارة العدوان الصهيوني والاستعماري على المنطقة.. كانت حرارة عالية تبرر الغضب والتطرف. فهذه الدولة نشأت برعاية رجل دولة مسلم، ذكي، شجاع اسمه عبدالله بن الحسين الابن الثاني للثائر العربي حسين بن علي صاحب النهضة، والدولة الاردنية القائمة على الايمان القومي العربي، تتعامل بالبناء في مواجهة التخلف، وبالنظام في مواجهة الفوضى وبالعمل الجاد في مواجهة الاصوات العالية.
الدولة الاردنية لا تخاف داعش واخواتها، ولا تخشى البراقع السوداء، وقطع الرؤوس وتعرف ان هذه الموجة الى زوال، لانها لا تقوم على العقل والخلق. ولا علاقة لها بالاسلام والمسلمين وهي الدولة التي تفتح حدودها لمئات آلاف العرب من فلسطين ومن سوريا ومن العراق ومن كل مكان يشعر فيه الانسان بالخوف على روحه واطفاله وكرامته.
نفتح حدودنا دون أن يكون لدينا قوائم امنية تمنع وتسمح. ودون تحديد لأعداد اللاجئين ونوعيتهم، وقناعاتهم الدينية والعقائدية. فهذا بلد واثق بنفسه وبالعروبة والعرب.
داعش حالة مصنوعة، لا تخيفنا!
(الرأي)