"النصب" الالكتروني وأدواته!!
د. زيد نوايسة
01-09-2014 05:10 PM
مع هذا السيل الجارف والمتسارع من تطور تكنولوجيا وسائل الاتصال وتبادل الرسائل بسرعة وبدون حواجز أو رقابة قانونية وأمنية، انتشر مفهوم جديد للاحتيال والاستغلال والنصب ولعل أخطرها ما اصطلح على تسميته النصب أو الاحتيال الالكتروني، فالاحتيال كنوع من أنواع السرقة موجود منذ الأزل وكذلك المحتالون موجودون ومتجددون ويمتلكون مرونة عالية للتكيف مع كل جديد وتوظيفه لخدمة أهدافهم غير المشروعة وغير الأخلاقية أيضا، والآن في عصر ثورة تبادل المعلومات والإنترنت أصبح انتشارهم أكثر وأسرع واخطر، فأصبحوا يبحثون عن فريستهم من المستخدمين غير الحذرين عبر الشبكة العنكبوتية وعلى امتداد الكون دون أن تمنعهم حدود جغرافية أو حواجز سياسية أو ضوابط أمنية.
وتتنوع وسائل الاحتيال من خلال رغبة المحتالون بمعرفة كافة المعلومات الشخصية عن الفريسة "المحتمل" لاستخدامها في التزوير، ويتم ذلك من خلال إرسال بريد الكتروني عشوائي أو إرسال رسائل من مواقع معروفة ومشهورة أو من مواقع للتسوق الالكتروني عبر الانترنت، يكون الهدف الأساسي معرفة الاسم والعنوان ورقم الهاتف وكلمة المرور أو رقم التعريف الشخصي (pin)، ورقم الحساب البنكي، ورقم بطاقة الائتمان( ATM)، وتستخدم جميعا تلك المعلومات وتوظف في الكسب المالي والسرقة بغير وجه حق.
لعل الأكثر شيوعا هذه الأيام هو الرسائل الواردة عبر البريد الالكتروني ومعظمها من إفريقيا ونيجيريا وغانا وساحل العاج، وأخيرا انضمت أسماء لسيدات وأرامل تدعي أنها من سوريا أيضا، وغالبا تكون تلك الرسائل من سيدات يدعين أنهن ورثن أموالا طائلة من أزواجهن ويبحثن عن فرص استثمار من خلال أشخاص يملكون المعرفة والدراية!! والغريب أن الصدفة هي التي قادت تلك الأرملة الثرية من مجاهيل إفريقيا لهذا الشخص ولبريده الالكتروني وان المطلوب فتح حساب بنكي بمبلغ بسيط لا يتجاوز مائة دولار، ومنحها تفويض حتى تستطيع تحويل المبالغ بالملايين لصاحب الايميل والذي بدأ لعابه يسيل نحو الثراء الهائل الذي جلبته الصدفة والحظ السعيد له؟!!، طبعا تكون هذه الرسالة أرسلت لمئات الآلاف من الأشخاص أن لم نقل ملايين الايميلات، أملا من تلك الشبكة التي تدير هذا الأسلوب الاحتيالي بالنجاح وتحصيل مبالغ مالية من أي فئة انطلت عليها الخديعة مهما كانت قليلة، فالمهم تحصيل مبالغ وحسب قانون الأعداد الكبيرة في الرياضيات فكلما زادت الإيميلات الاحتيالية هناك احتمالية للحصول على نتائج أكثر!!.
وبالعودة لتاريخ نشوء هذا النمط الاحتيالي والذي أشار إليه المحتوى المعرفي على شبكة "ويكبيديا" وبين انه ظهر في الثمانينيات، عندما بدا انحسار شركات النفط النيجيرية، آنذاك بدأ عدد من طلاب الجامعات العاطلين عن العمل باستغلال تطلعات بعض رجال الأعمال بالاستثمار في قطاع النفط النيجيري، فيما بعد بدأ النصب يأخذ منحى مختلف عندما بدا المحتالون بإرسال رسائل إلى أناس مختلفين محاولين إقناعهم بالاستثمار في قطاع النفط وبإرسال مبلغ معين من المال على أمل الحصول على (صفقة العمر) فيما بعد وحاليا يسمى هذا النوع من النصب رسميا Nigerian scam. ووسائله الرئيسية اليوم هي البريد الالكتروني. وهناك مدارس أخرى في هذا المجال أبرزها المدرسة الروسية والمدرسة الأسبانية وتسمى (السجين الأسباني) وتقوم فكرتها على إرسال بريد إلكتروني والاتصال بشخص ما وإقناعه بان المتصل هو سجين أسباني غني جدا (مليونير) وبان هذا السجين بحاجة إلى حوالي مائة ألف دولار لرشوة ضباط السجن وعند خروجه من السجن سيعيد لك المبلغ أضعافا مضاعفة.
وما ينطبق على الأثرياء والثريات "الوهمين"، والذين اختاروا الاستثمار في الشرق الأوسط والأردن منها، ينطبق على البريد الالكتروني المتعلق بالفوز بفرصة للحصول على ما يعرف بمسابقة الإقامة بالولايات المتحدة USA Green Card Lottery، بالرغم من وجودها فعلياً كواحدة من وسائل الهجرة، ألا أن هناك جهات وهمية تلجأ لهذا الأسلوب الاحتيالي فتغري الطامحين لدخول في مسابقة الهجرة مقابل اشتراك مالي أملا بالفوز بالقرعة الغير موجودة أصلاً!!، فيتم تجميع الملايين مقابل فرصة لن تأتي أبدا ولن يكون هناك أي مجال للتأكد من مصداقيتها!!.
بالإضافة لذلك النمط الاحتيالي، ظهرت أنماط وأشكال جديدة للاحتيال والابتزاز الأخلاقي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي،والتي يتهافت عليه الناس كوسيلة سريعة للتواصل والتعارف مما خلق فرصة لاستغلال المراهقين الصغار والكبار من خلال المحادثات المرئية وابتزازهم فيما بعد ويبدو أن هناك عصابات منظمة تدير هذا الأمر وخصوصا في شمال إفريقيا، وهناك الكثير من القضايا التي استطاعت إدارة البحث الجنائي في الأمن العام من اكتشافها والتعامل معها.
اعتقد أن الجهود التي تقوم بها إدارة البحث الجنائي في الأمن العام بدأت تثمر في توعية الناس لهذه المخاطر التي تواجه الغالبية العظمى من الناس، ذلك أن نسبة المتعاملين مع هذه الوسائل الالكترونية تتجاوز 95%، وبالتالي لا بد من الاستمرار في حملات التوعية الإعلامية وبالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومن خلال المركز الوطني لتكنولوجيا المعلومات، فالجرائم الالكترونية خطر جاد يواجه العالم ولابد من التعامل معه بسرعة وحرفية والاهم هو توعية الناس بشكل دائم ومن خلال وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية بمختلف مراحلها.