منذ سنوات ليست بالبعيدة ، وعندما تحركت كل المكنات الإعلامية وأعلنت عن نمو القطاع الخاص ، وإن هذا القطاع سينقل الأردن نقلة نوعية خاصة ، فأنا لم أكذِّب الخبر ، بل كنت مقتنعاً أن تغيراً نوعياً سريعاً سيكون ، وكلما سيطر القطاع الخاص على مقدرات الأردن ، وأعطيَ كل شيء لقدراته الناشطة ، والتغير النوعي يتوضح ويظهر ، ( حتى بانت سعاد ) ، ها نحن الآن في ذلك التغير النوعي الذي نراه :
• انتقلت البلاد والناس من الفقر إلى العوَز
• ازداد منسوب المحسوبية والفساد
• سيطر الأغنياء ومطاوعيهم في الهيمنة على مقدرات البلاد
• اشتعلت حرية السوق ، حتى أحرقت الطبقة الوسطى وتم دفعها نحو طبقة الفقراء المسحوقة
• لن يتبقى للدولة قريباً أي سيطرة على جهازها الإداري والاقتصادي
• انسحبت عاطفة التضامن والتكافل من العقل الاجتماعي وأصبح شعار ( إنج بروحك) شعاراً اجتماعياً بامتياز
• أصبح التمايز الاجتماعي واضح ، وتحققت مقولة قديمة جديدة ( في كل أمةٍ أمتان )
ما الذي سيحدث لاحقاً ، لن تحدث ثورة بالتأكيد ، لكن فقراء الأردن بحاجة ماسة حقيقية لرعايتهم ، بعدما تخلت الدولة الراعية تاريخياً عنهم ، بعدما انتقلت الدولة من دولة الناس إلى دولة الأغنياء ، وبعدما نقل الأغنياء الدولة من وظيفة الرعاية إلى وظيفة الجباية
الفقراء في الأردن ، أصبحوا حطاماً لا ضرورة له على قارعة الوطن ، وأصبحوا بلا معيل وبلا منقذ ، يبكون حالهم ، بل إنهم ينتحبون أسى ولوعة على أبنائهم وما ستؤول بهم الأيام وبعائلتهم المكسورة .
الفقراء في الأردن لن يموتوا جوعاً كما يحدث بإفريقياً ، لأن معظمهم ، مؤهل للحياة ، ومعظمهم قد أنجز تعليمه ، حتى جزءاً من فقرهم وعوزهم سببه ما أنفقته العائلات من مدخراتها على التعليم .
لكن الأيام القادمة ( ستبان سعاد أكثر ) ، ويصبح الجوع والحسرة يمشيان على قدمين عاريتين في الشارع ، نقول الأيام وليست السنين ، وستطلب الدولة منا جميعاً المساعدة ، ولن يتمكن الأغنياء من إجتراح الحلول ، لأن لا وقت لديهم فثمة ملايين لم توضع في المخابئ بعد .
ثمة أمل واحد يجعل الفقراء على قيد الحياة :هو أن يتجمع الفقراء ونخبهم بعيداً عن ماكينة الدولة ، وخلق تعاونيات خاصة بهم ، كالأكل الجماعي مثلاً ، وتبادل استعمالات المياه ، وتبادل الملابس عندما يكبر أبناءهم ، واستعمال حبوب منع الهضم والحمل للرجال والنساء معاً ، وتبادل الزيارات والمناسبات الناشفة ، واستخدام التقايض السلعي فيما بينهم ، وسينتقل الكلام من الأردن أولاً إلى الأكل اولاً ، وسيقاطعون مؤتمرات ( البوربوينت PowerPoint ) الفندقية ، وسيفتحون بيوت العزاء على كل خصخصة جديدة آتية .
الفقراء في الأردن إن لم يجدوا مَنْ يرعاهم بجدية، ويبدع الحلول الحقيقية لهم ، سيهيمون على وجوههم ، وسوف يصبحوا مرتعاً للأفكار المخيفة ، وموادا قابلة للاستعمالات الخطرة ، وسنندب حظوظنا جميعاً ، وتظهر الأسئلة البلهاء ، مثل : ما الذي حصل ، لماذا أصبحت الأمور هكذا ؟ ، ما الذي جعل فقراؤنا بهذه العصبيات القبليات ؟ ، كل ما نعرفه عن فقرائنا أنهم طيبون ، ما الذي غيرهم يا سبحان الله وهكذا .... ؟
انتبهوا جميعاً ، إن الفقر في الأردن وحشٌ يجثم على الصدور والصدور أصبحت لا تتسع لشيء سوى الصراخ الآتي .
faisalzouby@gmail.com