العمل النقابي في الأردن ، إلى أين ؟
د. عادل محمد القطاونة
31-08-2014 04:00 AM
إضطرابات ومسيرات ، ملصقات ومنشورات ، إتهامات وإشاعات ، تهديد وتصعيد، شجب وإستنكار، مطالبات وتنازلات وبين كل هذا وذاك باتت بعض النقابات المهنية نقابات سياسية وبات العمل النقابي عملاً سياسياً بإقتدار لدى البعض الكثير، وأضحت بعض النقابات المهنية اليوم عبئاً كبيراً على الدولة وباتت سياسة التعنت هي الأكثر قرباً وأسلوب الترهيب والتهريج هو الأكثر رواجاً وقبولاً !!
تلعب النقابات المهنية في العديد من دول العالم المتقدم دوراً حيوياً ومحورياً في تطوير المهن من خلال التدريب ومواكبة آخر التطورات العلمية والأكاديمية والدراسات والأبحاث وتساهم في وضع احد اللبنات القوية في بناء الدولة القوي المستند إلى الحكمة والإتزان وإحترام الرأي والرأي الآخر والبحث الحقيقي في تنظيم المزاولة للمهنة من أجل الإرتقاء بالمستوى العلمي والمهني للأعضاء المنتسبين وخدمة المجتمع المحلي وبما يسهم في تحقيق الفائدة المرجوة للوطن ولأبناء الوطن.
نقابة للمهندسين والصيادلة والأطباء والمحامين والعاملين في المحروقات وغيرها من النقابات إنتقالاً لمشاريع نقابات المحاسبين والطيارين والأساتذة الجامعيين وغيرها الكثير الكثير وصولاً لبعض الأفكار التي تناقش هذه الأيام بنقابات للماليين والإداريين ..... !!!
وبلغة أكثر دقة فإن الأردن بإنتظار أن يكون تحت مظلته أكثر من 100 نقابة ينادي جميع منتسبيها الأردنيين بالعدالة والمساواة والحصول على حقوق إضافية ...!!
ولعلي في هذا المقام أطرح التساؤل التالي: ألم يكفل الدستور الأردني العدالة والمساواة لجميع الأردنيين ؟ وإن كان من دقة وشفافية في القول فإن هذه المطالبات تعطي مؤشراً حقيقياً بعدم رضى المواطن الأردني عن أداء الحكومة أو عن بعد الحكومة عن مطالب المواطن ، وبلغة علمية فإن هنالك فجوة ما بين المواطن والحكومة دفعت المواطن الأردني للإحتماء خلف رداء النقابة طلباً للأمن الوظيفي والمعيشي والذي لم تستطع الحكومة توفيره بسبب البعد عن المشهد تارة وبسبب الإنشغال في الإصلاحات الاقتصادية والإجتماعية التي أثمرت عن زيادة في مستوى الجريمة وزيادة في المديونية ، زيادة في معدلات الفقر والبطالة ، زيادة في نسب العنوسة والطلاق !!
إن تشكيل الصناديق واللجان للنقابات لا يعني بأن تتحول بعضها إلى صناديق لتمويل المظاهرات ونشر الملصقات وإقامة المهرجانات الخطابية وغير الخطابية والتي هاجم البعض منها الوطن وكان النقابات ليست من الوطن كما أن بعضها كان ولا زال حكراً لمجموعة من الأشخاص دون سواهم فهم الأفضل والأصدق في منظورهم الشخصي ورأيهم لا يحتمل الخطأ فهو عندهم صواب ، أما الدفاع عن مصالح الأعضاء في النقابة فلا يعني بأي حال من الأحوال إهمال مصالح الوطن والمواطن ، ولعلي في هذا المقام أطرح التساؤلات التالية: كم هي عدد النقابات التي تتابع وبشكل مستمر آخر التطورات العلمية والعملية في المهنة على المستوى الدولي ؟ وهل ما يحدث من تطور هنا أو هناك في مهنة ما هو نتيجة جهد شخصي لعضو النقابة أم تشجيع ودعم وبتبني من قبل النقابات لأعضائها ؟
هل تعلم النقابات المهنية أنه وفقاً لبعض الدراسات المحلية فإن أكثر من 50% من الأعضاء لبعض النقابات غير راضيين عن أداء نقابتهم بسبب انحراف هذه النقابة عن عملها الحقيقي في رفد المهنة بالخبرات والعلوم اللازمة للإرتقاء بمستوى المهنة والإنصراف لتكتلات شخصية وحرب داخلية ساهمت وتسهم في إفشال أي تقدم إيجابي للمهنة ، وأين هم بعض النقابيون من أوراق العمل والمشاركات الفاعلة في المؤتمرات الدولية المرموقة وليس المشاركة بغرض المشاهدة والمتعة والإستجمام ؟
أخيراً وليس آخرا فقد ساهمت النقابات في الأردن عبر العشرات من السنين في تقديم الكثير من الإضافات الإيجابية في كثير من الحالات ولكنها حادت عن جانب الصواب في حالات أخرى تبعاً لمصالح سياسية أو حزبية أو شخصية في كثير من الحالات وعلى حساب مصلحة الوطن ، كل هذا يقودنا إلى أهمية تصحيح المسارات في عمل حكومي جاد يكفل الرؤية الشمولية لكافة القطاعات الوطنية دون محاباة أو إستثناء وردم الفجوة ما بين المواطن والحكومة حتى يتسنى للجميع الإستماع للرأي والنقاش في جو من الديمقراطية الحقيقية بعيداً عن مظاهر الإتهام والتسويف والتشويه وبعيداً عن اللجوء إلى النقابات التي كانت ولا زالت قائمة على تقديم الدعم الفني والمعيشي للعضو المنتسب ولا يوجد في قانونها إشارة إلى إضراب أو مظاهرة أو إعتصام فالعمل النقابي عمل حرفي متزن يبحث في كل الإتجاهات لبلورة وصياغة المعادلة الوطنية الأفضل في عضو نقابي متخصص ومؤهل ومدرب في بيئة عمل خصبة ومريحة يغلف كل ذلك إطار حكومي رشيق يدرك ويتحسس الهموم الوطنية على كافة أشكالها ومصادرها والتعامل معها بحرفية وقبل حدوث الأزمة.