هل ربحت إسرائيل حربها المجنونة على قطاع غزة، وهل قضت على حركة حماس، أو على قوتها على الأقل، هل دمرت كل الأنفاق التي قررت فجأة أن تحرث أرض غزة كلها بالقذائف والصواريخ للبحث عن بوابات الجحيم، هل قضت على قادة حماس ونزعت أسلحتها، هل وجدت بين الألفين ومائتي شهيد بريء «إرهابيا» واحدا ، هل بحثت بين أشلاء الأطفال والنساء والعجزة عن مجرم حرب بنصف حجم نتنياهو أو غيتس، أو بين خرائب المدارس والمشافي والمساجد عن مصنع أسلحة بيولوجية ونووية وفسفورية بحجم مستودع صغير لهذه الأسلحة لدى جيش الاحتلال الاسرائيلي..
إذا من الذي ربح الحرب فعلا:
بالمختصر غير المفيد، إسرائيل لا يهمها الإحتفاء بالفوز أو لطم الخدود للخسارة ، ولا أحد يضمن أو يكفل أن تقرر مجددا شن حرب قريبة أو بعد حين ضد قطاع غزة ، فما دامت تستخدم أسلحتها وطائراتها وقوتها ضد الفلسطينيين بتمويل أغلبه من خارج جيب حكوماتها فهي لن تنشغل بتعداد الصواريخ التي تطلقها ولا بعدد طلعات طائرات سلاح الجو وتكاليفها، وبما أن الخسائر البشرية هي جزء من التعداد السكاني للفلسطينيين فهي أيضاً لا تجد غضاضة في قبول المزيد من الجثث بغض النظر عن أعمارها ، ولكن لو كانت تعرف ان هناك من يجبرها على تحمل تكاليف حربها ومعاقبتها على جرائمها لما اقتربت من سياج غزة ولا أغدقت على سلاح الطيران بهذا الكم الهائل من أطنان المتفجرات والصواريخ والقذائف !
إسرائيل بالمنطق العبري لم تعد الطفلة المدللة لدى الإدارات الأمريكية فحسب بل أصبحت قوية وأكبر بكثير من طفلة مدللة ، فهي كالولد الأزعر الوحيد لأهله كما في تراثنا،فكل ما يفعله يبُرّر بوحدانيته بين معشر النساء فهو وريث المستقبل الديمقراطي والعلمي والسامّي الأعلى لحضارة الغرب وعين الرضى كليلة عن كل عيب له ، فليحطم ما يضطر له وهناك من يسدد فواتير عبثه وفجوره ، وهذا ما جعل إسرائيل تتمادى في بطشها وحروبها ، وهذا أيضا يزيد من شعور الكراهية ضد الدول التي تدعمها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة ودول أوروبا العظمى.
لقد شنت إسرائيل حروبا بربرية كبرى ضد قطاع غزة خلال السنوات الأخيرة ، وفي كل حرب تدمر في قطاع غزة أحياءً بأكملها وتقتل وتجرح آلاف المدنيين الأبرياء ، وتشرد مئات الآلاف من السكان ، وتهدم مدارس ومستشفيات ومقرات لمنظمات دولية ، ثم يعود طياروها الى قواعدهم وإلى بيوتهم تملأهم النشوى ، ولم ينشغل فكر بنيامين نتنياهو وقبله إيهود اولمرت وقبلهما آرئيل شارون ولا وزراء المالية بهاجس دفع التعويضات المالية أو الأدبية لشعب قطاع غزة ، بل تهبّ الدول العربية الى مبادراتٍ لإعادة إعمار ما هدمته إسرائيل ، ويبدأ مزاد المزايدات ومناقصة التبرعات ، ثم يعلن عن مئات الملايين لإعادة الإعمار وفي النهاية لا يتم أي شيء يمكن أن يطلق عليه وصف إعمار ، فلا تزال النصف مليار دولار عقب حرب ٢٠٠٩ لا تجد طريقها إلى متعهدي البناء هناك وكل من في الساحة متعهدو سياسة وإسرائيل متعهد حروب وهدم وتدمير.
غزة خرجت أقوى معنويا من ذي قبل، وكسبت مقاومتها تعاطف العالم كله، ولكن ينتظرها موسم شتاء قاس إن لم يتم الإسراع في إعادة بناء المساكن والمرافق الخدماتية لمئات الآلاف من المشردين دون مأوى عن طريق معبر رفح أو جسر جوي تحت غطاء أممي ، والحديث عن إشراف السلطة الفلسطينية هو قرار عبثي بفضل السيطرة الإسرائيلية على الطريق الى غزة التي أعجبتها فكرة إسرائيل تدمر وهناك من يهرول ليعّمر في غزة وينظف مسرح الجريمة ، فإسرائيل لن تكف عن حروبها إن لم تعرف إنها هي التي ستدفع التعويضات وتبني مساكن المدنيين كما دمرتها ، وهذا يحتاج لقرار دولي لتدفع إسرائيل كافة التعويضات.
(الرأي)