المسلمون والمعركة الفكرية
د.رحيل الغرايبة
31-08-2014 03:34 AM
ينبغي أن تكون الأولوية الأولى دائماً لمعركة الفكر والوعي على أجندة الحركات الإسلامية، وينبغي أن يتم تجنيد النخب والقيادات على فنون الحوار الفكري ومجادلات الوعي المعرفي، وأن يكون الهدف الأكبر والغاية الأسمى لكل الأطر الحركية تدور حول تحفيز العقل العربي، وإنارة الدروب أمام الأجيال، من أجل امتلاك زمام المعرفة باقتدار، ومن أجل القبض على ناصية العلم بثقة، وتعميق الصلة بجذورهم الحضارية، لمواصلة ما انقطع وترميم ما عطب في المراحل المتأخرة من عصور الانحطاط العربي والإسلامي.
مهمة الحركات الإسلامية الكبرى إحداث ثورة فكرية قادرة على إلهاب العقول بوهج الاستكشافات الجديدة في كل مجالات العلم من أجل الاستثمار الأكبر في الانفجار المعرفي الكبير، الذي يتعاظم في ظل السنوات الأخيرة من عمر البشرية في ظل غيبة العرب وغيبوبة العقل العربي في متاهات التقليد الأعمى، والانشغال العميق بأوحال المادة، والانبهار بلمعان السلطة ومظاهر القوة الشكلية والوهمية.
لا طريق أمام رواد التغيير والاصلاح إلّا من خلال العلم والمعرفة ولا مجال لصناعة النهضة الحقيقية إلّا من خلال النجاح في توجيه اهتمام الأجيال نحو استنبات بذور المعرفة في أوطاننا وتربتنا، وامتلاك العزيمة المتوقدة على التحرر من إسار الجهل والتخلص من التبعية الحضارية والتحرر من كل أشكال الاستعمار الثقافي والفكري.
كانت الغاية الكبرى لحركات التنوير الإسلامي منذ بدايات القرن المنصرم هي إشعال فتيل المعرفة ونشر الوعي في صفوف الأمة ومحاربة الجهل المطبق الذي سيطر على مشارق الأمة العربية والإسلامية ومغاربها، وما زالت معركة التجهيل قائمة ومستمرة وهي المعركة الأكبر والأشد خطورة، ولا مجال للانتصار بأية معركة وبأية مواجهة مع الغزاة إلّا بعد الانتصار في معركة العلم والمعرفة، ومعركة الوعي والتنوير على صعيد العقل العربي الجمعي، وخاصة لدى الأجيال الجديدة، وبعد الانتصار على معركة بناء الذات.
إن انصراف الكثرة الكاثرة من أتباع الحركات الإسلامية وأبنائها وقياداتها عن ميدان المعارك الفكرية ومعارك العلم والمعرفة وتعلق أبصارهم في معارك أخرى استهلكت جهودهم وأعمارهم واستهلكت طاقاتهم وعقولهم في مجالات أقل جدوى وأقل فائدة، يؤشر على انحراف البوصلة، ويؤشر على الاستمرار في معارك التيه، والابتعاد عن الإمساك بأوراق القوة الحقيقية، والوقوع في مصائد المغفلين، مما أسفر عن انطفاء شعلة العلم وخفوت جذوة المعرفة، وانسداد مسارب التحضر الكبرى التي أسهمت في مزيد من الضعف ومزيد من الفرقة والتشتت على مستوى الأمة كلها.
الحركات الإسلامية بحاجة ماسة إلى إجراء مراجعات جذرية لمجمل المسارات العملية والتنفيذية وإعادة الوقوف مطولاً على الغايات والأهداف والمنطلقات، وإعادة بناء الاستراتيجيات المنبثقة منها، وإجراء التقويم الفعلي لمجمل الانجازات على صعيد معركة الفكر والوعي، وعلى مجمل الانجازات في تصحيح العقل العربي وعلى صعيد بناء منهجية التفكير لدى الأجيال، وعلى صعيد امتلاك العلم والمعرفة، والقدرة على استنبات بذور النهوض الحضاري والتكنولوجي، بالإضافة إلى تقدير حجم الإنجازات على صعيد الأدب وفي علوم بناء المشاعر والوجدان وبناء الإنسان وبناء الأوطان.
أكاد أجزم أن الإنجازات على هذه الصعد متواضعة، بل إنها تسير في منحنيات هابطة، تدلّ على التراجع المزري علمياً ومعرفياً، وفكرياً وثقافياً وأدبياً، مما يؤشر على التراجع المزري في مجالات الانتاج الصناعي والزراعي للأمة كلها، وفي كل مناحي التحضر، بينما نرى أن الأمم الأخرى في صعود وارتفاع ملحوظ وخاصة في الصين والهند وأمريكا الجنوبية.
الحركات الإسلامية بحاجة إلى عودة ميمونة إلى معارك الفكر والثقافة والأدب، والعودة إلى معارك بناء الإنسان وبناء الذات، والتقليل من الاستغراق في معارك الصورة والانطباعات على صعيد ذاتها، وعلى صعيد الأمة كلها بصورة جمعية وكليّة، إذا وُجد فيها من يملك القدرة على المراجعة، ومن يملك إرادة المراجعة، فضلاً عن القدرة على استشراف المستقبل وآفاقه الفكرية والمعرفية.
(الدستور)