رسالة الاعتدال العربي والاسلامي الى واشنطن
راغدة درغام
09-03-2007 02:00 AM
مهم لقاء الرئيس الاميركي جورج بوش بالعاهل الاردني الملك عبدالله الثاني في عشاء خاص ضمهما وعقيلتيهما فقط ودام حوالي ساعتين. مهم لأن الملك عبدالله حمل رسالة اعتدال ومبادرة جريئة ورؤية واضحة تمثل موقف قيادات عربية ومسلمة ذات وزن وقدرات لا يستهان بها ليقول للرئيس الاميركي: إليك الآن. ولأن جورج بوش رجل تسيره قناعاته وعاطفته وتأثره شخصياً بطروحات، فإن كيفية تقبله للأفكار ولخريطة طريق الاعتدال الى سلام جماعي، عربي ومسلم، مع اسرائيل لها تأثير جذري ليس على السياسة الاميركية في عهده فحسب، وانما على المستقبل الاميركي ومستقبل العلاقة العربية - الاميركية - الاسلامية، لذلك، فإن الاسابيع القليلة المقبلة تتطلب التدقيق في كل خطوة وخطاب وتعبير يصدر عن الادارة الاميركية لأن هذا جزء اساسي من الاستراتيجية الدقيقة التي تصنع منذ شهور بهدف تحقيق اختراق يؤدي الى اقلاع عملية مختلفة نحو السلام في الشرق الأوسط. انها رقصة تتطلب خطوات متعاقبة في تسلسل الالتزامات والتطمينات بلغة تحفيز تعاقبية تشكل حلقة من الحوافز للتجاوب والإقدام، شرط ألا يفوت أحد خطوات له، عمداً أو سهواً. وما أبلغه العاهل الأردني الى الادارة والكونغرس والشعب الاميركي هو رسالة في الساحة العربية والاسلامية فحواها: نحن جاهزون. فإما الانتقال الى سلام جذري وتطبيع جماعي مع اسرائيل بقيادة اميركية مركزية، وإما استمرار الوضع الراهن الى كارثة للجميع. والنافذة على الفرصة التاريخية، حسب رسالة الاعتدال العربي، ليست مفتوحة على سنوات وانما على اسابيع قليلة وإلا لفات الآوان ولتحول الصراع العربي - الاسرائيلي من نزاع بين العرب واسرائيل الى صراع ديانات عالمياً.
لا أحد يعرف تماماً ماذا سيفعل الرئيس الاميركي بما سمعه من العاهل الأردني. قد تغلب عقائديته الدينية وعقيدته السياسية نحو اسرائيل على كل منطق وطرح مقنع سمعه. قد يكون اتخذ القرار الجذري بأن هذا هو الوقت الملائم لاستعادته فحوى وزمام رؤيته هو عندما طرح مبادرته وخريطة الطريق الى قيام دولة فلسطين محل الاراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967 لتكون دولة مستقلة قابلة للحياة جنباً الى جنب مع دولة اسرائيل. قد يكون تعهد بجديد وقدم الالتزامات الضرورية المطلوبة. وقد يكون عبر عن تعاطفه انما من دون أن يقرن التعاطف بالخطوات المطلوبة.
البعض يشير الى مشاكل البيت الابيض الناتجة عن إدانة لويس «سكوتر» ليبي، كبير مساعدي نائب الرئيس ديك تشيني بتهمة الكذب على عملاء مكتب التحقيقات الفيديرالي وهيئة محلفين أثناء التحقيق في كشف هوية عميلة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي) فاليري بليم انتقاماً من زوجها السفير السابق جوزيف ويلسون الذي عارض حرب العراق واتهم الإدارة بتدبير واختلاق مبررات زائفة لتبرير هذه الحرب. هذا البعض يقول ان الإدانة ستزيد الضغوط على تشيني لأن سكوتر كان ينفذ تعليمات نائب الرئيس، وهذا سيؤدي بالمؤسسة الجمهورية الى الدفع نحو سلخ تشيني عن بوش واقناعه بإيجاد الأعذار الصحية للاستقالة كي تتوافر فرصة انقاذ الحزب الجمهوري من ورطاته التي أتى بها عليه البيت الابيض.
البعض الآخر يتحدث عن عقلية راسخة لدى أقطاب الإدارة الحاكمة، وعلى رأسها الرئيس ونائب الرئيس، قوامها الاقتناع التام بأن حرب العراق استثمار في الاستقرار الاميركي والعالمي وان القضاء على الارهاب تطلب تلك الحرب وما زال يتطلب الانتصار فيها. وبالتالي، حسب هذا الرأي، ان تشيني باقٍ لأن بوش يريد له البقاء تحت أي ظرف كان.
الكلام عن تشيني ضروري عند الكلام عن العراق واسرائيل وعملية السلام للشرق الأوسط وايران ولبنان. أحد المقربين جداً من الرئيس الأميركي الذين يعرفونه عن كثب يرى ان ديك تشيني ليس الرجل الذي استرق دور الاب من جورج بوش الأب لجورج بوش الإبن، وانما هو نائب الرئيس المخلص الذي يفهم تماماً عقلية الرئيس ويأخذ على عاتقه تنفيذ الفكر والعاطفة الى السياسة التي يريدها حقاً جورج بوش. كثيرون يهزون رأسهم استغراباً لهذا الطرح اذ انهم مقتنعون بأن تشيني هو العقل المدبر وراء بوش وهؤلاء يعتقدون انه مهندس حرب العراق والمسؤول عن فشلها، وهو العقائدي الذي تناغمت عقيدته مع تطلعات المحافظين الجدد الى حرب العراق لغايات تقسيمية ولإطلاق حروب طائفية تكرس الصاق صفة الوحشية والارهاب بالعرب والمسلمين. تشيني، حسب هذا الرأي، يكن كل الكراهية للعرب ولا يهمه سوى اسرائيل
بغض النظر عمن من المعسكرين على حق أو خطأ، ان لبقاء تشيني وقعاً معيناً على تطور سياسة بوش في ظل المبادرة العربية التي حملها اليه الملك عبدالله الثاني، كما لغيابه. فحتى الآن، اثبت نائب الرئيس الاميركي انحيازه القاطع لاسرائيل وساهم في اسقاط رؤية رئيسه لدولة فلسطين الى جانب دولة اسرائيل، تدريجاً وبصورة متماسكة. انه أحد أهم أعمدة تقليص فلسطين والنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي الى مجرد «إرهاب"وهو من زرع جنوده المتزمتين لصالح اسرائيل حول كوندوليزا رايس عندما كانت مستشارة الأمن القومي وفي منصبها الحالي كوزيرة للخارجية، وهو الذي ضرب الحصار على وزير الخارجية السابق كولن باول لمنعه من تحريك عملية السلام الى الإمام. ديك تشيني قد يفهم رئيسه جيداً، انما هذا لا يعني انه لا يفهم متطلبات تطويق الآخرين من أقطاب الإدارة الاميركية لمنعهم من إقناع الرئيس بضرورة الإقدام على فرض مقتضيات السلام. لذلك هناك رجال، مثل اليوت أبرامز مكلفون بمهمات الاحباط
بعض الذين تحدثوا الى ديك تشيني في الآونة الاخيرة يقول ان نائب الرئيس قد تغير في اتجاه أكثر ايجابية في تناوله وتعاطيه مع المسألة الفلسطينية - الاسرائيلية. هذا رأي رهن الاختبار لاسيما ان كوندوليزا رايس تبدو في عملية تسلق صعبة وهي تأخذ على عاتقها محاولة الدفع نحو جديد نوعي في العملية السلمية.
الشكوك في نيات وعزيمة إدارة جورج دبليو بوش في محلها لاسيما ان هذه الإدارة انطلقت من رؤية أوشكت على تحقيق اختراق لا سابقة له في السياسة الخارجية نحو منطقة الشرق الأوسط ثم ما لبثت ان طوقت وتملصت، عملياً، من الرؤية بذريعة الارهاب الفلسطيني. الارتياب، بالتأكيد، له مبرراته لاسيما ان هذه الإدارة منغمسة حتى أخمص قدميها في موضوع العراق وليست بالضرورة في مزاج المبادرة الى رعاية عملية سلمية معقدة فشلت 10 إدارات سابقة في اتمامها وانهائها بسلام فلسطيني - اسرائيلي
إضافة، ان اللغة الصادرة، حتى الآن، عن الإدارة الاميركية هي لغة احتواء التوقعات وقطع الطريق على التطلعات الكبرى. انها لغة «الأفق السياسي» التي لم تتطور بعد الى لغة شكل السلام والمحطة النهائية للمفاوضات.
ما فعله العاهل الأردني هو انه قدم القضية الفلسطينية أمام الرأي العام والكونغرس والإدارة الأميركية بصفتها «القضية المحورية» لمنطقة الشرق الأوسط وللدول الاسلامية اينما كان وللعالم أجمع. وهذا ليس بمسألة عابرة ان يكرس الملك عبدالله خطابه التاريخي أمام الجلسة المشتركة لمجلس الشيوخ ومجلس النواب في الكونغرس الاميركي للقضية الفلسطينية حصراً. لم يهمل العراق، ولم يذكر ايران، ولم ينس لبنان، لكنه حفر في الذهن الاميركي أمراً بالغ الأهمية والضرورة وهو: ان القضية الفلسطينية حية، وان هناك مبادرة عربية بادر العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز الى طرحها عام 2002 وتبنتها القمة العربية في بيروت بالإجماع، وان العاهل السعودي «يواصل اليوم حشد الدعم العالمي لهذه المبادرة». وان «زخم هذه المبادرة يأخذ مداه في البلدان الاسلامية وخارج العالم العربي». إذ أكد اجتماع وزراء خارجية الدول الاسلامية الرئيسية في اسلام آباد للفلسطينيين والاسرائيليين «انهم ليسوا وحدهم في الساحة، وانهم يدعمون جهود صنع السلام وبنائه». وان مقابل التوصل الى «تسوية لحل قضية اللاجئين، والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967 وقيام دولة فلسطين المستقلة القابلة للحياة وذات السيادة» هناك استعداد عربي «لمعاهدة سلام شاملة مع اسرائيل، وعلاقات طبيعية مع كل دولة عربية، وضمانات أمنية شاملة لكل دول المنطقة بما فيها اسرائيل». والأهم من ذلك، إنهاء الصراع، الى جانب اقامة سلام لا يجعل من اسرائيل جزءاً من دول الجوار المباشر فحسب، وانما يجعلها جزءاً من «جوار يمتد من شواطئ المحيط الاطلسي عبر امتداد جنوبي البحر المتوسط الى ساحل المحيط الهندي».
قال للكونغرس والرأي العام الأميركي: اختاروا، إما هذا السلام الذي يقدم اليكم الاعتدال دعوة صادقة للالتحاق به، الآن قبل فوات الأوان، أو الوضع الراهن الذي يجر المنطقة والعالم أجمع الى حروب ناتجة عن «ايديولوجيات الارهاب والكراهية» وعن «النهج العسكري المتغير والاسلحة المستخدمة فيه» في إشارة الى ايران والسلاح النووي.
قال ببساطة، ان على الولايات المتحدة ان تختار لأن عصر التفرج من بعيد ولى ومضى ولأن تلكؤ الولايات المتحدة عن تحمل مسؤولياتها سيترك صفوف الاعتدال بلا خيارات سوى الاستسلام قهراً او الالتحاق قسراً بصفوف التطرف افراداً وجماعات.
فإما أن تلعب الولايات المتحدة دوراً قيادياً ومركزياً للتجاوب مع مبادرة السلام العربية المطورة، أو تستمر في حماية اسرائيل من السلام وفي تأجيج مشاعر الإحباط والتطرف في المنطقة العربية والاسلامية.
خريطة الطريق الى الشراكة من أجل إفشال التطرف والارهاب جاهزة، حسب الطروحات التي نقلها العاهل الأردني الى واشنطن نيابة عن جبهة الاعتدال العربية. سيناريوهات هذه الخريطة ما زالت سرية لأنها تتطلب التنسيق بين الخطوات المتتالية لمختلف اللاعبين والتناغم بين الحدث تلو الآخر كي تكتمل.
هناك خريطة طريق تؤدي الى الهدف النهائي، لكنها تتطلب المؤشرات في وقتها، واللغة في موقعها وزمانها وفحواها. والمقصود باللغة هو التعبير عن التزامات مهمة، أميركية واسرائيلية، تؤدي الى اطلاق تلك المبادرة العربية الاسلامية ذات الاعتراف الجماعي والتطبيع الجماعي مع اسرائيل. المفاوضات مستمرة على المستويات كافة وهناك تفاصيل تبحث حول الأدوار المختلفة التي تضمن مسيرة المفاوضات الى استنتاجات طبق التصور للوضع النهائي للأراضي الفلسطينية.
المؤشرات تفيد ان هناك التزاماً أميركياً، على مستوى الرئيس وعبر جهود وزيرة الخارجية، بالتجاوب مع الفرصة التاريخية المتاحة. انما ليس هناك، حتى الآن، مؤشر على ضمانات. فالإدارة الاميركية والكونغرس والرأي العام في حال انصباب تام على العراق مما يجعل المهمة أصعب ويجعل القائمين بها يعملون وراء الكواليس على خطوات متتابعة وليس على استراتيجية تبدأ بألف وتنتهي بياء طبقاً لبرامج زمنية محددة ومعروفة.
لديهم استراتيجية، لكنها استراتيجية تعتمد على المحفزات وعلى خلق الديناميكية الصحيحة لإطلاق الخطوات وللحصول على الالتزامات الضرورية للنجاح. انها استراتيجية التدريجية واستدعاء منطق السلام. أما إذا كان في ذهن لاعب اساسي واحد التملص والتهرب من استحقاقات السلام، فإن حل الدولتين سيلاقي حتفه رسمياً. وستنطلق عند ذاك حروب التطرف والارهاب والمعارك التي تخاض بالنيابة. ستصبح معظم المناطق الساخنة أرضاً خصبة لاستقطاب وتوظيف وتجنيد التطرف من جنوب لبنان الى دارفور في السودان. ستتوسع شبكة «القاعدة» وأمثالها لإعلان انتصارها على الاعتدال، برعاية دول اقليمية راغبة في الشماتة وفي تلقين دروس الاعتماد على الشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية. هذه هي رسالة الاعتدال الى واشنطن، انها رسالة بسيطة وصادقة فحواها: «حذار تقزيم الاعتدال مرة أخرى في المنطقة العربية والاسلامية».
أما إذا كان هناك حقاً عزم واخلاص وصدق نيات على الإقدام، فإن الفرصة متاحة الآن لترجمة المبادرات الى آليات لتنفيذ الرؤى بشجاعة..