وأعدّوا لهم .. *ناهض الوشاح
30-08-2014 01:12 PM
أعددنا الخيام ...لكنهم قالوا لا يُلدغ الفلسطيني من التشريد مرتين !
انطفأ الصباح وأغدق البحر رياحه على أطفال ولدوا هنا ... وهناك مسافة من اللاوصول تفصلك عن بدايتك . وعن نهاية مصير لا يد لهم في صنعه ... كومة من الأحلام تؤثث نصيب وجودهم في هذا الجحيم الذي توارث اسمه المؤرخون حتى صار اسمه الأرض .
شجرة القهر لا أصل لها سوى العذابات الفضفاضة من الوريد إلى الوريد تلتهم ما تبقى منك على قيد الأمل ... كلنا معكم ... نحمل دموعنا ونمسحها ببضع كلمات لا تكفي لتضميد جرح مازال يرى أننا لا نرى ... ونصرّ على أحلامنا أنّ الأرض لنا ...
الأرض لهم ... وحدهم يُصارعون الموج ... وحدهم يحملون الحقائب الفارغة ويذهبون بها إلى المدارس المليئة بأجسادهم وأرواحهم وأحلامهم وموتهم ... فالنوافذ مشرّعة لماض معلول ومستقبل يتوكأ على كسرة تجرّ الخيانة في تقديرها نحن .
عادوا من موتهم ليحتفلوا بوجود مُهشّم وفرح هزيل ... عادوا ليعدوا لنا ترتيب أبجديات شموخ الشمس وثبات الموقف ومواصلة الموت حتى النصر أو الشهادة . بعمر الورد اجتازوا المحنة . ورفعوا صمتهم بأعلى صراخ... موطني .. موطني ... الحياة والنجاة في هواك في هواك ...
كل هذا الهواء لهم ... كل سماء تليق بهم ... وكل التاريخ يخشع لأسماء حفروها بنبض عيونهم كبروا قبل أوانهم واستعادوا بحرهم وجوهم ... مزّقوا كل لغات الخوف وأحرقوها أمام أكبر سلاح وأصغر عدو .
لم يرحلوا ... ولم ينظروا إلينا ونحن نُعدّ لهم الخيام ... قاماتهم أكبر من كل الخيام و(بركسات الأونروا )التي لا تصلح لأطفال ولدت الحرية في نبضهم في أرضهم .
كل المدن عابرة وكل الدموع غادرة وكل المساعدات لا ترقّع سوى غصة تتلبد في حلوقنا ... نشرب بعدها ماء نصرهم ونفرح معهم كي نشفى من غربة تتوغل فينا كما توغل كولومبس في أميركا .
تنحني قامات الجيوش والقبعات وكل الرتب العسكرية في كل العالم لكل رجل وامرأة وشيخ وطفل في مدينة الأرواح الكبيرة ... في مدينة غزة التي قالت بوجه العالم لسنا هنودا حُمرا ولا زنوج العصور السحيقة ...
نحن وضوح المسافات البعيدة ... نحن الأغنيات في كل أسطورة ... نحن نصر من الله وفتح قريب .
في كل الأمكنة تتغير الأزمنة كما تغّيرنا من غير أن ننتبه أننا كنا هناك ... كنا نتدلى عبر المرافئ كالنوارس نبحث عن رزقنا في الوجوه العابرة القادمة من المدن الغريبة ... كبرنا وصرنا وجوها غريبة في مدن بعيدة . حملنا الحلم وهربنا إلى وهج النار كالفراشات أغراها اللهيب فاحترقت بما تهوى ..
تحررت قلوبهم ... تهدمت بيوتهم ... جاعوا ... لكنهم عادوا يمشون فوق الرمل حاملين معهم نشيدهم وشهداءهم وسيرتهم الآتية ... كل طفل مشروع شهيد ومشروع مهندس ومشروع قائد ومشروع شاعر يجلس الآن تحت قمر يُنشد قصيدة الكبرياء لشموخ الأبرياء .
كلهم عادوا واستعادوا بعض ما ضيعنا ... عادوا محمّلين بالشجر والحجر والليمون والزيتون .... كلهم عادوا إلا أنا ما زلت أنتظر المزيد من اللجوء إلى رحم الأرض !