مهند العزة .. ورمزية الاختلاف
صبري الربيحات
29-08-2014 03:27 PM
الصديق العين مهند العزة الشاب الاربعيني الذي انهى دراسة القانون الدولي في الجامعات الاوروبية...وانخرط في الحركة الدولية الداعية الى وقف اشكال التمييز...وامعن في تامل التشريعات وطور ملكة تحليلها ونقدها واستطلاع رائحة الاقصاء او التهميش او اللامساواة التي قد تنبعث من حروف وتراكيب بعض النصوص التي قد يجري تمريرها ضمن رزم المواد التي تاتي بموجبات وتبريرات قد لا يلتفت لها من لم يعاني من التمييز والاقصاء والتهميش..
عند مطلع الالفية الثالثة يوم كنا نناقش في اروقة الامم المتحدة صياغة الاتفاقية الدولية لحقوق الاشخاص ذوي الاعاقات.. وكان مهند وثلة من رفاقه الخبراء يعيدوا توجيه النقاش كلما شعروا اننا انحرفنا عن مقاصد التشريع الاممي الذي احتفلت البشرية بانجازه في نهاية 2006...
لقد كان مهند مفخرة لنا نحن الاردنيون وللمنظمة التي كان يمثلها فقد كان صاحب فكر يعتد به.وراي لا يتردد في تقديمه بكل فصاحة ووضوح...ودون تعنت او غرور. العقلية والقيم التي حملها مهند لم تكن بنت المكان الذي ننتمي اليه..ولا تحسبه من بلادنا لولا اسمه واستعانته ببعض الايات والاحاديث عندما يوجه الحديث لبعض الوفود الاسلامية.
قبل ثلاث سنوات عمل مهند على اعداد تقرير الظل الذي يرصد اوضاع الاشخاص ذوي الاعاقات وكنت اعمل على اعداد التقرير الرسمي بتكليف من المجلس الاعلى لشؤون الاشخاص المعوقين ...وللامانة فقد كان التقرير الذي اعده مهند ورفاقة ادق واغنى واكثر تصويرا للواقع....يومها هاتفته وشكرته وابلغته عن سعادتي اننا وصلنا الى درجة من الثقة ببلدنا تمكننا من نقد انفسنا بهذا المستوى من الشفافية والموضوعية والصدق الذي يكسبنا مزيدا من الاحترام
ﻻنفسنا.. ويضعنا فب مصاف المجتمعات التي تسعى لتعزيز الكرامة الانسانية بصدق وموضوعية....
في تلك الايام اثار تقرير الظل حفيظة البعض واغضب البعض الاخر.. الا ان ذلك لم يلبث ان تلاشى بعد ان احس الجميع بصدق مقاصد مهند ورغبته في ان يساعدنا على ان نرى انفسنا وانجازاتنا دون تجميل او تلطيف على اعتبار ان الاصلاح المنشود لا بد ان يبنى على اسس سليمة.
قبل ما يقارب العام وعند اعادة تشكيل مجلس الاعيان اسعدني كثيرا ان اختير الدكتور مهند العزة ليكون عضوا في المجلس وكتبت يومها مقالا تناولت فيه معنى ودﻻلات الاختيار...واشرت الى ان اهم اضافة نوعية الى مجلس الاعيان تمثلت في اختيار مهند لا لانه سيمثل ولو رمزيا حركة الاعاقة ويترجم وجوده ولو اسميا التزام الاردن بمبدأ تكافؤ الفرص للاشخاص ذوي الاعاقات بل لانني امنت بان الدكتور العزة ينتمي الى ثقافة انسانية تؤمن بالحقوق والكرامة والعدل والمساواة...وتقف في وجه اشكال التعدي على الحقوق ايا كان مصدرها.....
للثقافة التي ينتمي لها مهند شعارات اهمها ان "الاختلاف طبيعي " وان "لا شئ يخصنا بدوننا "...وهي شعارات قادت الانسانية الى افاق جديدة تجاوزت فيها الكثير من الممارسات التي كرست التمييز والتغرقة والعنصرية والتعصب.
وفرحت لاني اعرف مستوى النزاهة والعفة والاستقامة التي يتمتع بها.. فقد رافقته في رحلات طويلة الى كوريا والولايات المتحدة وكندا واليمن والبحرين والمغرب ومصر وبيروت واماكن عديدة اخرى....و خبرت كيف كان يحرص في كل مرة ان يمارس استقلاليته في مواجهة مستلزمات السفر دون ان يثقل علينا بسؤال او استفسار.....
بالامس صوت مجلس الاعيان على التعديلات الدستورية التي اقرها النواب برفع الايدي....وما ان بدأ التصويت حتى رفع الاعيان ايديهم بالموافقة على التعديل الا مهند... لانه يرى ان الاختلاف طبيعيا.... ولانه وكعادته لا يلقي الكثير من الاهتمام للمبررات التي يسوقها البعض منا حول الكيفية التي ينبعي ان يتسم بها اداء الاعيان... فهو يري في الاختلاف والتنوع والحوار سمات لا تستقيم الديمقراطية بدونها .
لقد اسعدني ان ارى مهند يحتفظ بروحه الحرة واستقلاليته الفكرية بعد عام من هجرته لمقاعد الناشطين الحقوقين وانضمامه الى مقاعد النخب المحافظة التي تحرص على ضبط الايقاع ونادرا ما يقنعها التنوع او تحتمل الاختلاف...
والسؤال الذي سيبقى مفتوحا هل راى الدكتور مهند ببصيرته ما لم نبصره بعيوننا.