هل لنا أن نتوقع، وبعد إقرار التعديلات الدستورية الخاصة بصلاحيات الملك في تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات، ولادة قانون انتخاب عصري وديمقراطي، يقطع نهائيا مع نظام الصوت الواحد بصيغته المجزوءة؟
التوقع مشروع هنا؛ فالمسوّغ السياسي للتعديلات الدستورية هو حماية مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية من التجاذبات السياسية لحكومات الأغلبية البرلمانية والحزبية. أي إننا على وشك دخول مرحلة سياسية جديدة، سارعت الدولة إلى التحوط من تداعياتها بتعديل دستوري مبكر.
ولكي تحوز مثل هذه السياسة أو الخطة الإصلاحية على المصداقية والثقة اللازمتين، تنبغي مراجعة جدول الأولويات التشريعية، بحيث يُدرج مشروع قانون الانتخاب على جدول أعمال الدورة العادية المقبلة للبرلمان.
نجاح أي تجربة جديدة لحكومة برلمانية بالمواصفات المعروفة عالميا، يتطلب تهيئة البيئة السياسية والحزبية قبل سنتين من موعدها على الأقل. لا يمكن للدولة أن تطلب من القوى الاجتماعية والسياسية والأحزاب أن تتكيف مع قانون جديد للانتخاب بعد إقراره بأشهر. هناك حاجة لفترة انتقالية تستعد خلالها هذه القوى لخوض المنافسة وفق قواعد جديدة للعبة.
إن لم تفعل الحكومة ذلك، فستبدو التعديلات الدستورية وكأنها خطوة مطلوبة لذاتها، وليست متطلبا موضوعيا لعملية الإصلاح السياسي كما جاء في تبريرها.
الموقف من قانون الانتخاب الجديد تحول إلى لغز؛ تسأل الحكومة عنه فتقول إنه جاهز في الأدراج، لكن النواب ضغطوا بقوة لتأجيله فاستجيب لطلبهم. مصادر في مجلس النواب تنفي ذلك، وتتهم الحكومة بالمماطلة. وخلف الكواليس، ثمة كلام عن اختلاف في الآراء حول صيغة النظام الانتخابي التي وضعتها لجنة رسمية مشتركة، جمعت وزراء ومسؤولين في دوائر أمنية.
أين الصحيح في ذلك كله؟ لا نعرف، ونخشى أن نظل ندور في الحلقة المفرغة إلى آخر لحظة.
ليس مفيد أبدا أن نبقى على هذه الحال. لقد أقدمت الدولة على خطوات مفاجئة مؤخرا، ما يزال السؤال عن مبرراتها قائما. إذا كانت الحكومة جادة فيما ساقت من تبريرات، عليها أن تقرن الأقوال بالأفعال.
لنحافظ على نفس التدرج في إقرار القوانين الإصلاحية؛ الأحزاب، البلديات، اللامركزية، ثم قانون الانتخاب، ولكن بدورة برلمانية واحدة، لا أن نؤجل "الانتخاب" إلى نهاية العام المقبل كما هو مبرمج حاليا.
لقد طور مجلس النواب آلية لمناقشة وإقرار التشريعات تختصر الوقت والجهد، وتعطي المجال لتعظيم الإنجاز بالسرعة المطلوبة. ووفق هذه الآلية، يمكن الانتهاء من القوانين الأربعة في غضون شهر واحد.
توفر عامل الإرادة مهم هنا؛ فعندما توافقت مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية على ضرورة إنجاز وجبة التعديلات الدستورية الأخيرة بسرعة، ومنحها صفة الاستعجال، كان لها ذلك، وأقرت التعديلات في أقل من أسبوع. ما الذي يمنع توفر ذات الإرادة تجاه قانون الانتخاب، أوليس هو المكمل التشريعي للتعديل الدستوري؟
يتعين على السلطتين التشريعية والتنفيذية أن تحرصا على إظهار نفس القدر من الإرادة، لا بل إن الكثيرين يأملون بسماع نفس الجملة التي قيلت بشأن التعديلات الدستورية تتكرر مع قانون الانتخاب.
(الغد)