تسويق البيئة الإستثمارية في الأردن
د. مأمون نديم عكروش
26-08-2014 04:39 PM
نعم والف نعم مشكلة المشاكل في الأردن هي إقتصادية وليست أمنية أو سياسية. حديث ملكي سامي ونادر وصادق جداً وفيه مكاشفة ومصارحة نادرة يقودة جلالة الملك المُعظّم هذه الأيام ويحمل تشخيص دقيق للواقع الإقتصادي الأردني مصحوباً بالعزيمة والإصرار على تجاوز التحدّيات الإقتصادية التى نعاني منها.
الحديث الملكي السامي يتحدث صراحةً عن وجود قصور في القطاعين العام والخاص في منهجية معالجة المشكلة الإقتصادية لدينا وأنّ الجهود المبذولة حالياً لا تتعدى مرحلتيّ "جس النبض" و "التنظير" وصولاً لمرحلة "المناكفة" بين الطرفين!
إذا كانت المشكلة الإقتصادية يقودها جلالة الملك المُعظّم فهل إستطاع كلٌ من الحكومة والقطاع الخاص إلتقاط الإشارة الملكية السامية من أجل العمل على التخطيط الفعّال والتنسيق المشترك لتجاوز المرحلة التي يمرّ بها الإقتصاد الأردني؟ أحد المداخل الإستراتيجية التي يمكن من شأنها تحريك الإقتصاد الأردني هو الإستثمار الأجنبي المباشر (Foreign Direct Investment) وذلك من خلال جذب إستثمارات ضخمة والإستثمار في مشاريع طويلة الأجل في الأردن مما سينعكس إيجابياً على المساهمة في تخفيض معدلات البطالة وتحريك عدة قطاعات إقتصادية والمساهمة الفعّالة في دفع عجلة التنمية الإقتصادية.
حقيقيةً لا أرغب في التطرّق إلى أدبيات الإستثمار بكافة أشكالة وأنواعة ومزاياه ومساوئة لأن هذا الموضوع أُشبع بحثاً وتنظيراً وهناك عدة متخصصين من أبناء الأردن الذين لديهم باع طويل وخبرة مميزة في هذا المجال. أعتقد أنّ جوهر موضوع الإستثمار في الأردن يتعلّق بقدرتنا على تسويق البيئة الإستثمارية في الأردن إلى العالم الخارجي وتشجيع مستثمرين على ضخ أموال في الإقتصاد الأردني لتحقيق التنمية الإقتصادية المنشودة.
ولكن عندما نرغب بتسويق البيئة الإستثمارية في الأردن فإنّ هناك الكثير يجب عمله وخاصةً فيما يتعلّق بالتخلّص من معوّقات الإستثمار في الأردن ليكون لدينا مادة تسويقية سليمة نستطيع التحدّث من خلالها مع المستثمرين. أهم معّوقات الإستثمار في الأردن هو تحديد أولويات الإستثمار بحيث يتم تحديد القطاعات الإقتصادية التي يوجد بها مزايا تنافسيّة والعمل على تسويقها لمستثمرين من خارج الأردن بطريقة علمية ومهنيّة تتمتع بقدر عالِ من الاقناع "بحقائق" أكثر منها سرد "معلومات" لهم.
إنني أعتقد أنه وعلى الرغم من أهمية بعض الصناعات الإنتاجية في القطاع الصناعي فإنّ الإستثمار في قطاع الصناعات الخدمية في الأردن يجب أنّ يكون الأولوية القصوى لتسويق الإستثمار في الأردن وذلك لأن مزايا الأردن الإستثمارية تكمُن في القطاع الخدمي نظراً للمخزون الإستراتيجي الذي يتمتّع فيه بلدنا في هذا القطاع.
أضف إلى ذلك فان مستقبل الإقتصاد الأردني سيكون عبارة عن حاضنة قطاع الخدمات للإقليم المحيط بنا من منطقة الشرق الأوسط نظراً لتوفر عنصري الأمن والإستقرار السياسي ووجود معظم الموارد المطلوبة لقطاع الخدمات وفي مختلف أوجه الأنشطة الإقتصادية الخدميّة. لذلك فإنّ قطاعي السياحة والنقل وكافة الصناعات الخدمية التابعة لهما يجب أن تتصدر أجندات تسويق البيئة الإستثمارية في الأردن.
أما معوّقات الإستثمار الأخرى فإنّها تتعلق بتذليل الممارسات البيروقراطية في كافة انواع المعاملات والإجراءات التي يحتاجها المستثمر بحيث يتم العمل على تبسيطها وتوحيد جهات إصدارها والمرونة في التعامل مع المستثمرين وفقاً لمشاريعهم وبما يخدم مصلحة الطرفين.
أما الأمر الآخر فهو يتعلّق بتوحيد وتبسيط الأنظمة والتشريعات والقوانين الناظمة للعمل وإعادة النظر بعدة أنواع من الضرائب المفروضة والتي تُرهق المستثمر مادياً ومعنوياً قبل البدء بإستثمارة! أيضاً وبصراحة يجب التخلّص من بعض المتنفذين الذين يؤثرون بشكل سلبي على الإستثمار والمستثمرين في الأردن من خلال محاولاتهم المستمرة للحصول على حصص مقابل تسّهيل معاملاتهم! وعليه، فإنّ تسويق البيئة الإستثمارية في الأردن يتطلّب وجود تخطيط إستراتيجي طويل المدى ضمن إستراتيجية واضحة المعالم تُحدد أولويات الإستثمار المطلوبة والتي تنسجم مع التوجهات الملكية والإقتصادية الأردنية ولا تستنزف الموارد الإستراتيجية غير المتجدّدة في الأردن.
وهنا لا بد لنا من الإستفادة من تجارب بعض الدول في مجال تشجيع الإستثمار مثل التجربة الصينية (بدأت عام 1979) والتجربة التركية (بدأت في التسعينات) والتجربة الأندونيسية وغيرها من الدول التي نجحت في جذب إستثمارات كبيرة من خلال تحديد أولوياتها الإستثمارية وتخلّصت من معوّقات الإستثمار التى تشبه إلى حدِ كبير معوّقات الحالية في الأردن. وفي النهاية فأنّ الدعم الملكي السامي لحل المشكلة الإقتصادية وتشجيع الإستثمار الأجنبي المباشر وفقاً لرؤية وطنية إسترتيجية واضحة يجب أنّ يكون أداة تسويق فعّالة لتسويق البيئة الإستثمارية في الأردن بطريقة مهنية وعصرية. نتمنّى المباشرة بالحلول والتوقف عن تشخيص المشاكل والتنظير لما فية مصلحة بلدنا العزيز.