على خشبة مسرح مركز الحسين في رأس العين، الذي يتسع لألف متفرج، عرضت المخرجة الأردنية المتميزة سوسن دروزة مسرحيتها الأخيرة، في ظل غياب شبه كامل للمشتغلين بالمسرح.إذ خلت القاعة منهم، إضافة إلى غياب الكتاب والمثقفين على اختلاف أجناس إبداعاتهم الأدبية، رغم الترويج الإعلامي الواسع الذي سبق موعد العرض، وحضور جمهور ممن نطلق عليهم صفة العامة، وذلك في سياق تميز جائر لما يسمى النخبة المثقفة! إذ علينا في مرحلة معينة أن نعترف بعدم وجود نخب ولا من يحزنون! وهذا ما لدينا و"الطاسة ضايعة"!
لست في معرض تناول منجز سوسن المسرحي، فهو معروف ومقر عربيا وأردنيا، كما أن عرضها الأخير الخبز اليومي من وجهة نظري هو عبارة عن دهشة خالصة لفنانة، تحسن نقل عدوى القلق والألق الناجمين عن تماس مباشر مع الجمال، ولكن المناسبة تستدعي استعراض عمرها المبذول على الخشبة، في محاولة لتأسيس حركة مسرحية أردنية واعدة وقادرة على مضاهاة التجارب المسرحية العربية، والمناسبة نفسها تستدعي سؤال سوسن وبقية زميلاتها وزملائها من المبدعين: هل ثمة جدوى حقا وراء ما تلهثون وراءه أم أن كل ما اقترفتم من اقتراحات إبداعية هو محض وهم وليس أكثر من قبض الريح!! وتبدو أسئلة كهذه مشروعة جدا، في حياتنا الثقافية الخالية من أبسط أشكال التضامن.
حيث يتكشف المشهد عن خراب كامل، إذ يلاحظ المتابع للساحة الثقافية ظاهرة إحجام المثقفين عن حضور الفعاليات والأنشطة الثقافية والفنية المتنوعة، ما لم يكن المبدع نفسه أو أحد أصدقائه موضوع النشاط وعنوانه، وسوى ذلك فإنه على الأغلب لن يبدي أي حماسة كمستمع وكفرد من الجمهور، ذلك أن حضوره في هذا السياق قد يودي بنخبويته ويضعه بالتالي في مصاف الناس العاديين!، لا يمكننا توجيه اللوم إلى المؤسسات الثقافية الرسمية منها والأهلية، فهي لم تتوقف عن تقديم خدماتها في هذا المجال، بل إنها ما تزال رغم شح الحضور تواصل أنشطتها المختلفة على أمل النجاح في استقطاب المزيد من المهتمين، ولا يمكننا بطبيعة الحال إكراه الجمهور على الحضور سعيا لملء القاعات والصالات غير المأهولة، أو الاستعانة بموظفين مغلوبين على أمرهم غير معنيين أصلا بما يحدث، وذلك سعيا الى إضفاء حيوية زائفة وبث مظاهر حياة مفتعلة في كل نشاط.
فما السبيل الى حث المثقفين على التفاعل والحضور كجمهور نوعي مهتم، والتخلص بالتالي من حالة التراجع والنكوص التي باتت سمة شخصية للمثقف الأردني.
يبدو أن هذه الظاهرة تعود الى حالة اليأس من جدوى المشاركة في فعاليات كهذه، إضافة الى شعور المثقف بالغبن اللاحق به من قبل الجهات المعنية بتكريمه وحفظ كرامته والاحتفاء بإبداعه، إضافة الى الحساسية الفائقة تجاه بعض السلوكيات التي تصدر عن بعض المثقفين المصابين بسعار الشهرة وتضخم الذات واللاهثين الى تسويق أنفسهم في كل المناسبات، فيكون الامتناع عن الانخراط بمثابة الترفع أو الاحتجاج على حجم الخراب الذي حاق ببعض من المشتغلين بالهم الثقافي.
أيا كان الأمر، فإن السؤال البسيط الذي يطرح نفسه: ما الذي يحس به المبدع حين يكون عنوانا لنشاط ما ويقتصر الحضور على الأصدقاء والأقارب من الدرجة الأولى؟ ألا يشعر بالخيبة ويفقد بالتالي الدافع الفعلي لمزيد من الإبداع، ويتنامى لديه إحساس بالحقد على الآخرين، بحيث سيشكل أي نجاح لهم إهانة شخصية له؟ لماذا لا نبادر الى تبديد الظواهر السلبية التي تطغى على المشهد الثقافي، لنغير ما بأنفسنا من ذاتية مرضية، ولنحتفل بنجاحات زملائنا، ولنتذكر دائما أن قليلا من إنكار الذات لن يضر!
عن الغد.