أمانةُ عمّان تمنع البسطات
د.عودة الله منيع القيسي
26-08-2014 03:58 AM
- من طبيعة – الإدارة الرشيدة – أنها لا تغلق باباً يُضيَّقُ على المواطنين – إلا وتفتح باباً يُوَسَّع عليهم . أما الإدارة الفاشلة ( والحكومة أيضاً – إدارة) – فتغلق أبواباً ، وليس باباً واحداً ، ولا تفتح مقابلها – ولا باباً واحداً ...
- أمانةُ عمّان الموقّرة – أغلقت بابين من أبواب التوسعة على الناس ولم تفتح –مقابلهما ولا باباً واحداً : قرّرت رفع البسطات من الشوارع ، ولم تجد بديلاً مُجزياً ، ولا عملاً- لهاؤلاء الغلابا الذين يتعيشون – عيشَ الكفاف ، بل دونَهُ – من هاذه البسطات . ولا يكفي أن تخطط الأمانة بأن تكون المدينة منظمّة الشوارع – ولا أن تقف مع التجار الذين تحطّ البسطات أمام متاجرهم ، ويتذمرون -!- من أن البسطات تعوق المشترين فتخفف أرباحهم – لا يكفي هاذا ، وهاذا .. لكي ترفع الأمانة البسطات ، بل تكنسها من الشوارع – لأن الإدارة التي تخطط لتكون الشوارع نظيفة سالكة – بغير صعوبة – كشوارع – باريس – عليها أن تجد عملاً لهاؤلاء الغلابا – يسدّ رَمقهم ، ويبعد عنهم غائلة الجوع – أو تخصص مكاناً لهم يأتي لهم بشيء من الربح يسدّ رمقهم . وإلاّ ..
فإنها تُدير ظهرها للناس ، وتتسبب في شحْن نفوسهم بالحقد والبغضاء والكراهية . وهل تريد الأمانة أو الحكومة أن تترك الناس – جياعاً – ولا تُشحَنَ أنفسهم بالحقد والبغضاء والكراهية ..؟- وهاذه الثلاثة تقود إلى كثرة المشكلات = إلى ضرْب الأمواس ، وإلى امتلاء السجون بالجانحين والمجرمين ..!! إن الأمانة – كإدارة – غير مسؤولة عن – الأمن- وإنما المسؤولة عن الأمن الحكومة – يهمها – أي الأمانة – أن تنفّذ خططها النظرية المخملية ، من دون أن تكون مسؤولة عن الأمن – خلافاً للحكومة التي يجب أن تكون عينُها على الأمن ، قبل أن ترمِيَ ببصر عينها الأخرى – على تنظيم شوارع السوق ( وليس كل شوارع المدينة) – إذا كان التصرف يؤدي إلى جوع فئة كبيرة غلبانة – وإلى امتلاء صدورها بالحقد والبغضاء والكراهية – ثم .. سيلان الدماء . على الحكومة أن تجد حلاً لمشكلة الجوع والأمن ، قبل البحث عن حلّ لجمالية الأسواق أو نظافتها ...
- والباب الثاني الذي أغلقته الأمانة هو أنها قرّرت أن تمنع هاذا الشعب الفقير – بنسبة خمسين بالمئة – أن يجلس على جوانب هاذه الطرقات – المتفرعة من العاصمة ( والذين من هاذه النسبة لديهم كراكيب ( أعني سيارات آيلة لأن تسجد على الأرض) لا يجدون لها بنزيناً ، بعد أن تلطفت الحكومة – وخفضت أسعار المشتقات النفطية – قياساً معاكساً لقول شاعر يهجو النحويَّ الكسائيّ – وأصحابه – إذْ يقول :
( إن الكسائيَّ – وأصحابَهُ ----يَعْلُونَ في النحو – إلى (أسفلِ) .
والحكومة – على العكس – خفّضت الأسعار إلى –( أعلى) .
- أجَلْ .. لا يجدون بنزيناً إلا بشقّ الأنفس – ولذا .. يبحثون عن أقرب المسافات على جوانب الطرق – المتفرّعة من – العاصمة – ليجلسوا عليها – ينّسمون الهواء ، وتُجلي أبصارهم بتسريحها إلى الأفق البعيد – وتمتلئ رئاتهم بهواء عليل ، لم يألفوه في عُلب الكبريت التي يحشرون أجسادهم فيها. والقليل منهم الذي وفّر ، خلال الشهر دُنْينيراتٍ ، واشترى كيلو من اللحم هاذا المستورد ، يريد أن يتدسم وتتدسم زوجتُهُ – وصغارُهُ الذين هم – كزُغب القطا – كما قال الشاعر :
( لولا بنيّاتُُ كزُغبِ القطا ----رُددْنَ من غُصْنٍ إلى غُصْنٍ )
( لكنتُ خُضْتُ الحرب – نيرانَها --فالموتُ خيرٌ ، يا بني سِنّي ) .
- أجل يريد أن يتدسم وتتدسم زوجتُهُ وصغارُهُ – في هاذا الجوّ الشاعري الذي يفتح النفس لرائحة الشواء – ويفتح المعدة ، لالْتهام الشواء ... قرّرت أمانةُ عمّان – الموقرة أن تحفظ على هاؤلاء نقودهم ، فلا يشترون اللحم – هاذا المستورد ، وإذا اشتَروْهُ .. فليأكلوه داخل عُلب الكبريت – لا سدّاً لباب التنفس والتفسُّح ، وإنما سدّاً لباب المعدة ، التي يُفتحّها النسيم العليل والمكان المنفسح الجميل – ذالك من أجل التوفير على مثل هاؤلاء المتطلعين إلى الخروج من الضرورة إلى متعة التنزه في الخلاء . لأن الخلاء – يفتح المعَدَه . ولذا .. لا تكفي كيلو اللحم هاذا المستورد لأربعة . فيضطر الأبُ الغلبان للاستدانة ، لكي يشتري كيلويْن – لا كيلَواً واحداة . فلا بُدّ من أن تعيده أُمُّهُ الأمانةُ من التبذير إلى التقتير ، حتى لا يركبهُ الديْن ، فيضطرّ إلى أن يصرف الدائن – بالمَيْن-!- أما قال الشاعر .
( فقسا ، ليزدجروا ، ومن يكُ حازماً ---فلْيقسُ ، أحياناً ، على مًن يرحمُ؟)
- أمّا من لا يملكون ثمن كيلو من هاذا اللحم المستورد – فلماذا يحقّ لهم أن يخرجوا إلى جوانب الطرقات المتفرعة من العاصمة ، يتنسّمون الهواء ، وتمتدّ أبصارهم إلى بعيد الأجواء والأرجاء ؟- أما ورد في الأثر –( اخشوشنوا فإن النّعَمَ لا تدوم) ؟- إن الأمانةَ أمَّ حريصةٌ على أبنائها ، يهمها أن تحْملهم على الشدة حتى يجدوا حَلاوةَ الرخاء – الذي لن يجيء – ولسان حال الأمانة يقول : ابني المواطن ابنتي المواطنة ، اشكر نعمة الله عليك – لدارُكَ أوسعُ من القبر الذي أليه تصير – اشكر الله تعالى على ما أنت فيه من نعمة . ولماذا لا تقول أُمّنا الأمانةُ ذالك – والشيخ عمر عبد الكافي – سُئل – وهو يتكلم من إذاعة الأردن ، قبل ستّ سنوات : أما يتطلع الفقير إلى نعيم الدنيا ؟- فأجاب ، بثقة : والفقير .. يتنعم ، أما يشرب الماء البارد ؟- أو ليس الماء البارد من نعَم الله ؟!- ثم .. لدى الفقير .. نِعَمٌ كثيرة : نِعمة الصحة ، نعمة البصر، نعمة السمع ...
- هاذا صحيح ، يا دكتور عبد الكافي – أنت ترى هاذه نعَماً للفقير ، وأنت تتنعم بنصف مليون دولار في السنة تكسبها ، من أحاديثك في الإذاعة والتلفاز ( هاكذا قالت الصحف )
- أمانتنا .. تحرمنا شمّ النسيم ، والتمتع بمناظر الطبيعة ، لأنها ترى أن لدينا نعماً أخرى كثيرة – ولسانُ حالها يقول : يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق – وما لا يُدركَ كُلّهُ – يكفيك ظلُّهُ .
- لماذا تفعل الأمانة ذالك ؟- لأنها تريد لعّمان أن تكون صورة طبْق الأصل أو متفوقة – عن باريس . ولأن الزائر الذي يزور الأردن .. عندما يرى الناس الشعبيين – وأنا واحدً منهم - يجلسون على جوانب الطرق ، ينظر إلينا شزْراً ، ويرانا شعباً – بُجْراً ، ويترك بلادنا – هجراً ، ويتحدث عنا شرّاً ... إلخ .
- أجَلْ .. الزائر المحترم – أهم من الشعب الأردني ، لأن الشعب مقهور مقدور عليه ، راضٍ بما قسم المليك له – كما قال الشاعر الجاهليّ – لبيدُ ابن ربيعة العامريّ:
( فاقنعْ بما قسَمَ المليكُ ، فإنّما --------قسَمَ الخلأئقَ – بيَنُهمْ علّلامُها )
- والظاهر .. أن أمانة عمّان الموقرة – لم تقرأ موقفاً عظيماً حكيماً – لرسولنا العظيم الحكيم المعصوم ...
- خطبَ الناس يوماً ، فقال : ( إيّاكم – والجلوسَ على الطرقات...) قالوا : يا رسول الله، ما لنا بُدّ ... قال – صلى الله عليه وسلم – (فإذا أبَيْتمْ إلا الجلوسَ ، فأعطُوا الطريقَ حقَّها ) – قالوا : وما حقُّ الطريق ؟- قال : ( غضُّ البصر وكفُّ الأذى – وردّ السلامِ – والأمرُ بالمعروف – والنهيُ عن المنكر) – قالوا : قبلنا .. فترك لهم الرسول الحكيم المعصوم – ذالك لأنه – صلى الله عليه وسلم – أحسَّ أن في أمرِه المشدّد ذاك – تضييقاً على الناس ، فرأى أن من الحكمة وحق الناس في الحياة – ألا يُضيّق عليهم – ما دام لا يستطيع أن يبنيّ لهم – نواديَ – يجلسون فيها ، ويُديرون بينهم الأحاديث – فيها ...
والطريق التي عناها الرسول الحكيم هي جوانب شوارع المدينة المنوّرة ( وكلَّ مدينة) .
- فهل تستفيد أمانةُ عمّان ( وكلُّ بلدية) من هاذا الدرس البليغ الحكيم العظيم .. فتترك لنا- نحن الغلابا – الذين ليس لنا – بُدُّ – من شمّ النسيم على الطرقات المتفرعة من العاصمة ، ومن تعريض صدورنا للهواء الطليق ، وفتح عيوننا لهاذا الجّو الفسيح الأنيق – ومن أن يتدسّم القادر منا من شراء كيلو لحم من هاذا المستورد - وتتدسم زوجتُهُ وأطفالهُ ...؟! – خروجاً من عُلب الكبريت ، بعضَ الوقت ، وأيام الجُمع والعطل – حتى لا نشعر بأن الأمانه – لا تقف منا كموقف الرسول الحكيم المعصوم من صحبه – ولا نشعر أنها تغلق علينا الأبوب ، باباً ، بعد باب ، ولا تفتح لنا ، بل ولا توارب لنا شِقّ باب ؟- والحكمة تقول : إذا أردت أن تُغلق باباً على الناس ، فافتح لهم باباً – وإلاّ .. أمّتهم وهم أحياء . وتقول إذا أردت أن تُطاع – فاطلبْ المستطاع – والصلاة والسلام على رسول الله الهادي الأمين .