إذا شعر للحظة أن الأنظار تتجه الى آخر ، أو ان الأسرة تندمج في الحديث او مشاهدة التلفاز ولا تعيره أي اهتمام، فبفطرته يقوم «الصغير» باستخدام وسائل للفت النظر وتوجيه بوصلة الاهتمام به من جديد...فمثلاً يتظاهر أنه «يسعُل» وهو ينظر في عيون المنشغلين ، واذا لم ينجح صوته الصغير باقتحام مسامع الحضور ، يرفع «دوز» السعال ويصحبه بــ»شردقة او شرقان» ليعود محور الجلسة، ولأنه يتمتع بذكاء فطري فإنه لا يستخدم وسيلة لفت النظر مرتين ، فثمة وسائل أخرى بجعبته كالوقوف أمام الشاشة والرقص «المفتعل» وأحياناً اسقاط كوب من الزجاج على الأرض والاستمتاع بمنظر الزجاج المتناثر..
الغريب أنهم مهما بالغوا في ازعاجنا واستجدوا اهتمامنا نظل نقبلهم ونحبّهم..لكن ان يقوم الكبار بممارسة نفس السلوك فحتماً ستكون صورهم «مفضوحة»، والتذكير بأنفسهم مدعاة لازدرائهم والحقد عليهم أكثر...ما اقصده بهذا الحديث ، جورج بوش الابن الذي شعر أن الانظار تتجه لغيره ،وانه صار «نسيا منسياً» بالنسبة لمواطنيه ، وأن الأسرة الأمريكية مندمجة في مشاهدة زعيمها الشاب ومتابعة خطاباته ولا تعير – بوش- أي اهتمام، فيقوم بوش «الصغير» باستخدام وسائل للفت النظر عله يسترق بوصلة الاهتمام ولو لمدة (48) ثانية...
فبعد ان ظهر قبل شهور بمظهر الفنان التشكيلي ، وبدأ يرسم بيده وجوه زعماء وقادة سياسيين أثروا به في فترته الرئاسية ، ونشرت عنه بعض التقارير الإخبارية في الزوايا المنوّعة وهو يمسك فرشاته ويقف امام خطوط الوجه الأولى ..عاد قبل أيام ونشر لنفسه مقطعاً قصيراً لا تتجاوز مدته 48 ثانية على موقع»اليو تيوب» يظهره وهو يشارك في تحدي دلو الثلج..حيث دلقت زوجته لورا دلوا مليئا بالثلج على رأسه امام الكاميرا فــ»وحوح» قليلاً ثم طلب من زميله كلينتون ان يخوض التجربة كما فعل ..أنا متأكد انه لن يكون الظهور الأخير..ولا استبعد ان يخرج عارياً في إحد الفيديوهات أو بمشهد مزري فقط ليذكّر الأمريكيين أنا «رئيسكم» يا جماعة اذكروني!..
في ثقافتنا العربية يستخدم تعبير : «سكب الماء البارد على الظهر او المؤخرة « للتعبير عن «التطنيش او الطرد المهين او التفنيش من غير احترام»...فيقال ان فلاناً : «قد صبّت المؤسسة على ظهره ماء بارداً» يعني انها فصلته من العمل بسرعة ولم تكترث لخروجه..وأعتقد ان «جورج بوش» بهذا الفيديو يثبت - ولو عربياً - ان الشعب الأمريكي قد صبّ على «....»ماء بارداً لسوء إداراته ورعونة قيادته...
***
شخصيا، وأنا أتابع الثواني الــ»48» ، لم أر دلواً أبيض بثلج ابيض يسكب على رأس سيد البيت الأبيض الأسبق...بل رأيته دلواً بلون الأوجاع، يمور بدم أحمر ، يسكب على تاريخ الإجرام العالمي..
**
اذا كان بوش الابن يعتبر ان الفتاة العراقية عبير ، وملايين ألأطفال في افغانستان و العراق الذين ماتوا أثناء الحصار وتحت القصف..مجرّد أرقام عابرة ...نحن نعتبرهم قضايا وملفات لا تغلق بانتهاء الولاية...
**
اذا كانت «لورا» بوش تسعى لتذكر العالم بزوجها من خلال: دلو أبيض مملوء بالثلج ألأبيض ليسكب على رأس سيد البيت الأبيض..
فنحن نذكرها: ان «حليب الأطفال» المحاصرين ابيض ايضاَ ، وقلم رصاص الطفل المهجّر «ابيض» ايضاَ ، كما ان «الفسفور» أبيض...
أما الدم العربي فلونه كالجحيم «احمر متّقد» لا يطفأ ولا يهدأ ولا يتخثّر بالثلج أبدا....
(الرأي)