المطلب الرئيس الذي ترفضه الحكومة في الإضراب الحالي لنقابة المعلمين، هو "علاوة الطبشورة"، والمقصود بها علاوة خاصّة للذين يمارسون التدريس فعلا في الصف، وليس للإداريين. وقبل عامين، مع إعادة الهيكلة للوظائف الحكومية، أضرب المعلمون، في شدّ حبل مرير مع الحكومة للحصول على علاوة مجزية.
وتوسط مجلس النواب في مفاوضات صعبة، انتهت بالموافقة على كامل النسبة التي طلبها المعلمون، ونُفذت مناصفة على مدار عامين. أما الآن، فالحكومة تقول إنها لا تملك إي إمكانية مالية لمطالب جديدة.
لكنني أقول إنه ما دام المعلمون يريدون هذه العلاوة كحافز خاص للمعلمين الذين يمارسون التدريس فعلا، فيمكن لوزارة التربية التي تتهيأ لإصلاح التعليم، أن تحول العلاوة إلى نظام حوافز متدرج، بدل زيادة مقطوعة ومتساوية للجميع.
ويمكن لهذا النظام أن يدخل كمكون رئيس في مشروع إصلاح التعليم.
بعض القطاعات، مثل الأطباء، لديهم نظام حوافز، لكنه عمليا طريق مواربة لزيادة الراتب فقط من النقود التي تحصلها وزارة الصحة من غير المؤمنين، وهو لا يحفز شيئا ولا يساهم في تحسين أداء الأطباء أو زيادة إنتاجيتهم، لأن كل طبيب حسب رتبته وأقدميته يحصل على نسبة محددة، أكان يعمل في وظيفة إدارية أم في الميدان، أكان يداوم أو يقضي نصف وقته في الإجازات، أكان يرى مائة مريض في اليوم أم لا يرى أي مريض.
إنها مناسبة الآن لامتحان تجاوب المعلمين والنقابة وتعاونهما من أجل إصلاح التعليم.
فالمعلم هو حجر الزاوية في إصلاح التعليم. وأهم مجال للانفاق على إصلاح التعليم هو المعلم، بغرض تحسين أدائه وتجاوبه الفعال مع الخطط والبرامج المقترحة.
وهناك أدوات قياس واضحة، فعندما يكون لدينا مئات المدارس لا ينجح منها أحد، وعندما يكون هناك عشرات آلاف الطلبة الذين يعبرون الصفوف وهم أميون، فلدينا أداة قياس محددة للأداء فصلا بعد فصل، وعاما بعد عام! ويمكن أن تكون هناك رقابة وامتحانات تقييم مركزية لطلبة جميع المدارس، في مختلف المواد. ويمكن قياس نسبة التحسن التي يتحمل المعلم المسؤولية الأساسية عنها.
وقد يشكو المعلم الظروف الموضوعية المحبطة، لكن مسؤوليته أن يوضحها ويقترح ما يراه مناسبا، وهذا نفسه يدخل في التقييم، إلى جانب كل عمل آخر وجب على المعلم أن يفعله، ومن ذلك الأنشطة اللامنهجية وتنمية المهارات.
ومن دون الخوض في التفاصيل، يمكن أن تضع الوزارة نظاما مفصلا للحوافز، يبدأ من حد أدنى لكل مدرس، وينتهي بحد أقصى لمن أبدع وأنجز قياسا بما كان قائما في مدرسته. وسيكون النظام بمثابة خريطة طريق لتحسين الأداء ورفع سويته. ونظام الحوافز الذي يكافئ المعلم على عمله وإنجازه، هو أيضا بمثابة طريقة لتنظيم المساءلة والمراقبة والمتابعة؛ فكل معلم معني بالحصول على حوافز، والوزارة معنية بالتدقيق في أهليته لهذه الحوافز.
ربما لا يعجب النقابة هذا المشروع؛ إذ تريد علاوة ثابتة للجميع من دون تمييز. لكننا نستطيع، ومعنا الرأي العام، أن نقول لهم إن موظف الدولة المعلم ليس أحق براتب مميز عن بقية الموظفين، إلا في إطار الدور الخاص الذي يلعبه في تنشئة الأجيال، والحوافز تحقق هذا المعنى.
نظام الحوافز، وبغض النظر عن موضوع العلاوة من الأساس هو صيغة لا غنى عنها في إطار خطة إصلاح التعليم، وتحقيق معالجة فعالة للاختلالات الخطيرة التي يعاني منها.
(الغد)