أداء النواب .. فعل غير عميق
18-03-2008 02:00 AM
لو تتبعنا أداء مجلس النواب في دورته الأولى فاحصين مستكشفين لتبين ان الأداء لا يحمل عمقا تشريعيا ورقابيا حقيقياَ، دليل ذلك الأزمة التي افتعلوها مع الصحافيين في ورشة عقدت أخيرا في البحر الميت، وعدد من الأخطاء التشريعية التي "ضبطها" مجلس الأعيان وصححها، وكذلك استخدام الصلاحيات الدستورية الرقابية بطريقة غير عميقة وغير فعالة.
يمكن أن يقول البعض ان مجلس النواب جديد وان غالبيته نواب لأول مرة وهم بحاجة إلى إظهار قدراتهم وأخذ حيز إعلامي، وهذا القول صحيح للوهلة الأولى، لكنه لا يبدو كذلك فالأصل أن النائب في مطلع حياته النيابية يستكشف دوره ويسير بخطوات ثابتة لفهم اللعبة البرلمانية وأصولها قبل أن يحدد مساره النهائي.
ويلاحظ أن الدورة النيابية وهي على مشارف النهاية، أخذت زخما استثنائيا عبر مذكرات حجب الثقة وتوجيه الاستجوابات والمطالبة بجلسات مناقشة عامة، لكن التدقيق في خلفيات هذه الأمور يتضح أنها ردود فعل من نواب لقضايا شخصية بحتة وليست ذات بعد وطني حقيقي رغم ان بعضها كمناقشة قضية النفط ذات وجاهة وتحتاج فعلا لحسم الجدل بشأنها.
عدا الملف النفطي فكل ما يثار من عواصف نيابية ضد بعض أعضاء الحكومة، له ظلال شخصية وفيه إسقاطات لمواقف ذاتية بنيت نتيجة تضارب مصالح أو استثمار لتصفية حساب تفقد العمل البرلماني قدسيته.
وأنا أفهم حق النائب، إذ كنت نائبا في مجلس سابق، في أن يوظف الصلاحيات الدستورية لتحقيق هدف سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي عام وله كذلك الحق في أن يبرز إعلاميا، لكني لا أفهم أن توظف هذه الصلاحيات لتحقيق مكسب شخصي أو شللي من فوق منصة جراح الناس ومعاناتهم.
اعتقد جازما أن الأداء غير العميق وغير الجوهري في الشأن النيابي الرقابي يحتاج إلى مراجعة لأن الفوضى التي سادت دورة مجلس النواب الأخيرة لم تؤشر على أداء متماسك أو مترابط ولم تؤشر على أن القضايا التي تم تناولها جدية وذات بعد وطني ينعكس الإنجاز فيها إيجابيا على مصالح الناس.
والمراجعة تكون في خلق ظروف تجعل النائب يدرك أنه في موقع سياسي مسؤول تُحسب عليه مواقفه وتصريحاته وقبل ذلك حركاته وسكناته، وأن بروزه يكون في القضايا الجادة والمفصلية شريطة أن يتتبعها إلى النهاية، فلا يصح ان نعمل وفق إستراتيجية عقيمة أساسها أن نرمي حجر في مياه راكدة وكفى.
بطبيعة الحال، ضعف الأداء نتيجة غياب الكتل الحزبية، لا يعني إنكار حقيقة ان في المجلس مجموعة على قلة عددها تمتاز بأداء رفيع تراكم بفعل خبرات طويلة في شتى المجالات.
ويبدو لي أن الخطوة الأولى في المراجعة تكون في إعادة النظر في نظام المجلس الداخلي بما يجعل الأداء التشريعي والرقابي أكثر إنجازا ويحد من سلبيات الغياب عن الجلسات وعدم المشاركة الفاعلة في اللجان الدائمة.
وفي سياق مواز للسابق، ان يعاد بناء حالة وعي وفهم جديدة للنواب تنقلهم من عقلية ما قبل النيابية إلى عقلية أعمق سياسيا لكي تكون مواقف كل نائب منطلقة أسس علمية موضوعية وليس رد فعل شخصي يؤخذ هكذا دون حاسب نتائجه وتداعياته.