هبت ثلة من المتنورين في الاردن،لتعترض على اعدام الخونة والجواسيس في غزة، دون محاكمات، وامام الناس جهاراً نهاراً، باعتبار ان ذلك غير جائز اخلاقياً!.
ثلة المتنورين تتعامى هنا، اولا، عن حالة الحرب، وفي حالة الحرب، هناك عقيدة لدى كل الجيوش في العالم، ولدى كل المقاتلين، اياً كانت اتجاهاتهم السياسية او الفكرية، او أديانهم ايضاً، تشرعن الاعدام الميداني، عند الخيانة او الهروب او عدم تنفيذ الاوامر.
هذه عقيدة عسكرية معروفة لدى الجيوش المحترفة، وتلك غير المحترفة في العالم، لان وضع الحرب، يضع اسسا مختلفة، عن حالة السلم، والتي بالضرورة تفرض قواعد اخرى، من بينها اجراء المحاكمات العادلة وفقا لحقوق التقاضي.
ثلة المتنورين، لا تسمع صوتهم بذات المنسوب المرتفع، على ما تفعله اسرائيل، ولم نر احدهم يجيش اعلاما او قضاء او سياسية لمحاكمة قادة الاحتلال.
هم ايضاً يمسكون من الجمل ذيله، وكأن كل القصة فقط، تطبيق شرعة حقوق الانسان وحقوقه في توقيت، تسبب فيه هؤلاء الخونة بقتل وجرح الالاف، فأي ترف هو هذا الذي يتملك المتنورين في قصة حرق غزة، للحديث عن المحاكمات؟!.
ثم ان الاعدام جهاراً، له غاية محددة، رأيناها عند كل شعوب العالم، اي الردع النفسي، لنوعين من الناس، اولهما الخونة الذين مازالوا يمارسون جرائمهم، لعلهم يتوقفون عن افعالهم، والثاني لعامة الناس لردعهم عن اي احتمال للتورط في اي خيانات لاحقا.
في مرات نتفهم دوافع المتنورين هنا، بحيث لا نتساوى مع العدو وغياب القاعدة الانسانية والاخلاقية عنده، لكنك ايضا تفهم ان هناك قواعد للحرب متفق عليها، اقلها ردع بقية الخونة عن الاستمرار في مهماتهم، وهذا لا يكون الا بإعدام ميداني لمن سقط في الخيانة، وتم كشف امره من جانب الناس، بطريقة او اخرى.
في لبنان، لم يتم الاعتداء على اولئك الذين ساندوا الاحتلال، ولا على عائلاتهم، بعد خروج الاحتلال من جنوب لبنان، لكنها قصة مختلفة، لان الاحتلال خرج، والعفو عن الناس بشكل عام، يصير ممكنا، حتى لا يغرق البلد في حروب ثأرية وتصفيات جسدية، ولا يتورط ايضاً في الانتقامات وتصفية الحسابات، على الرغم من الجرائم التي ارتكبها هؤلاء، لكن علينا التنبه هنا، الى ان هذا الفعل جرى فقط بعد خروج الاحتلال، والتجاوز عن افعال الخونة هنا، كانت غايته، عدم نقل الاشتباك بين الناس والاحتلال، الى اشتباك اجتماعي بين الناس انفسهم.
تلك حالة مختلفة، لان الاحتلال زال، لكننا في قصة غزة، شهدنا حرباً، والاعدامات لم تجر الا تحت نيران الحرب، والكلام عن محاكمات عادلة، ترف ملتبس في دوافعه.
ثلة المتنورين يخلطون في مرات بين تأثرهم بالليبرالية وسماتها، والعقيدة الوطنية، فتصير الاولى هنا، سببا في التحلل من التزامات كثيرة، نراها اليوم، في حياتنا، من اولئك الذين باسم الحريات يبيحون كل شيء، باعتبار ان الناس احرار، وصولا الى قصة جواسيس غزة، الذين يجدون محامين للدفاع عنهم، باسم حق المحاكمة، وهم محامون، ينخفض صوتهم، ازاء الضحايا، وفي مرات يتبدد ويتخفى مثل نعامة.
كان الاصل إدانة الخائن، قبل ادانة من عاقبه على خيانته، لكنها الدنيا، اذ ينقلب فيها كل شيء، فتصير الاولوية للخائن وحقوقه، بدلا عن الضحية وحقوقها!.
لسنا ظلاميين، لكننا ايضا، نقول لاولئك المتنورين بلا حدود...كفى!!.
(الدستور)