رسائل السفير البريطاني في بغداد عن ثورة 14 تموز 1958
أ.د. سعد ابو دية
24-08-2014 06:15 PM
عمون - كتب: د.سعد أبو دية - هناك مجموعة تقارير كتبها السفير البريطاني مايكل رايت شرح فيها أسباب ثورة 14 تموز والرأي العام والمؤثرات الخارجية.
تقرير يوم 12 آب 1958م:
ذكر السفير أن هناك تذمرا سياسيا واقتصاديا وشخصيا قبل الثورة ساهمت إذاعة القاهرة في تأجيجه منذ عام 1956م لدرجة أنها ساهمت في تحريض الناس ولذلك كان هناك تذمر عند الناس في وقت كان فيه العراق أكثر غنى وتقدما من جميع الدول المجاورة.
برقية السفير يوم 22 آب 1958م:
ذكر السفير معلومة دقيقة وهي أن الغليان في العراق حصل بعد الثورة وليس قبلها أو أنه لم يكن ما يدل على وجود الغليان الذي ظهر على السطح بعد نجاح الثورة. وظهر دعاة التغيير ورحبوا بالثورة وظهر للعيان كل التذمر الذي كان خافيا والسؤال كما يقول السفير: هل كان هناك حلول؟ ويذكر أيضا أنه لم يكن هناك شخصية بارزة ترفع صوت المقاومة ضد الانقلاب اوالثورة.
وكتب أن الثورة استقبلت بارتياح من كثير من القطاعات وقدمت متنفسا للساخطين.
مصر وعبدالكريم قاسم:
ذكر السفير مايكل رايت أنه طبقا لتصريحات عبد الكريم قاسم الذي قاد الثورة أن الدافع عنده موجود للثورة من عام 1956م حتى جاءته الفرصة يوم 14 تموز عندما تسلم أمرا بالذهاب إلى الأردن والمرور عبر بغداد صباح يوم 14 تموز. كان هناك لواءان من تشكيلات الفرقة الثالثة يقودهما عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف بإمرة
العميد غازي الدغستاني قائد الفرقة.
هذا الذي جعل نوري السعيد يظن أن الداغستاني قام بالثورة ولكنه صعق عندما عرف أن عبد الكريم قاسم هو الذي قام بها.
تساءل السفير لماذا كان الداغستاني غافلا ؟ هذا السؤال لم يجد حلا. وفي مكان آخر قال كنا في ظلام دامس
السفير يبرئ الحكم من دنس الفساد:
كتب السفير أن الملك فيصل والأمير عبد الإله ورئيس الوزراء نوري السعيد كانوا يعيشون حياة متواضعة وكل ما يملكه نوري السعيد هو منزل بناه على أرض لزوجته. ولم يكن له سوى قطعة أرض في الرمادي مساحتها 100 دونم كان يبيع منها الرمل وحصل عليها و هو خارج الحكم بمناقصة عادية مثل الآخرين.
الوضع في العهد الملكي السابق:
كتب السفير في برقية يوم 22 آب أن الفساد كان موجودا بمقدار اعتيادي وأنه أقل من ما هو موجود في أغلب الدول المجاورة.
كان العراق يتطور ببطء للوصول إلى المقاييس الغربية في الإدارة و التشريع وكان التعليم يسير بخطى واسعة والخدمات الصحية والمستشفيات تتطور وتم إصلاح نظام الخدمة المدنية على الطريقة الإنجليزية.
ولكن هناك فقراً في مناطق مثل الكوت والعمارة والقرى الكردية البعيدة والنجف.
كان هدف النظام بناء عراق حديث مع حياة ديمقراطية دستورية واستخدام النفط وعائداته لصالح الشعب. وهذا ما يقوله السفير، واضيف عليه ان نوري السعيد كان لايعطي شيئا لبريطانيا الا بمقابل وحتى في المواقف السياسية، وفي إحدى المرات طلب منهم تعبيد طريق.
ومع كل ذلك كان هناك تذمر وانتقاد وفساد ومحاباة الأقارب مع مبالغات لها أصل كما كتب السفير.
ظهرت مطالب لتشكيل أحزاب سياسية وحرية صحافة وكان التذمر ينمو أيضا ويبحث عن متنفس.
الفرق بين مصر والعراق:
كتب السفير أن وضع الحريات السياسية في العراق أفضل من مصر ولكن تأثير عبدالناصر لم يكن إلا بسبب الدعاية الماهرة العاطفية المركزة وليس بسبب إصلاحات داخلية قام بها عبد الناصر.
اشارة السفير للسخط على الحكومة:
كتب السفير أن أول ستة أشهر من عام 1958 م شهدت فعالية الهجوم المصري على العراق. كان الرئيس المصري جمال عبد الناصر يهاجم العراق بشكل متواصل و يهاجم الصداقة العراقية البريطانية.
ملاحظة من الكاتب: هذه الاشهر الستة شهدت قيام الاتحاد العربي بين الاردن والعراق وان الاعلام المصري هاجم الاردن والعراق معا، وفي حين كان التفاف الاردنيين حول قيادتهم أفضل ولم تتأثر كل فئات الشعب الأردني بالدعاية الناصرية في حين اخترق الاعلام المصري العراق والسياسيين والعسكريين هناك ولم ينتبه احد لخطورة ذلك
هل أشعل المصريون النيران؟
كتب السفير أن العراقيين يريدون التعاون مع مصر دون أن يتدخل جمال عبدالناصر في شؤونهم وبأخذ ثرواتهم لكن عبدالناصر سار في حملة دعائية منذ انضمام العراق لحلف بغداد عام 1955م دون كلل.
وهكذا ساهم عبدالناصر في زيادة السخط على الحكومة. السؤال هنا هل خفف العراقيون من علاقتهم مع بريطانيا بعد الثورة؟ الجواب لا لدرجة أن السفير كتب أن عبد الكريم قاسم عندما قابل السفير كان مسرفا بشكل أكثر من اعتيادي في تأكيده على الصداقة مع بريطانيا.
كيف حصل عبدالكريم على رضا الشعب؟
في رسالة السفير في يوم 9 آب بين السفير أن الانقلابيين يتعاونون كفريق وأنهم كسبوا ثقة الشعب بعد تخفيض أسعار الخبز واللحم والبنزين والإيجارات وكانت الطبقة الوسطى سعيدة بالتغيير لكن هناك خيبة أمل عند المتطرفين لأن الحكومة الجديدة لم تظهر طبيعة وطنية متطرفة للغرب.
عبدالكريم قاسم يطالب بالسلاح:
ذكر السفير في برقية اخرى أن عبد الكريم قاسم طالبه بسرعة تجهيز السلاح من بريطانيا والأمريكان حسب ما هو مقرر في حلف بغداد لكن الأمريكيين كانوا يتلكأون.
ملاحظة 1: تم استدعاء مايكل رايت وحل محله كراوفورد قائماً بالاعمال ثم جاء هنري تريفليان وهو خبير في مصر والعراق و عمل في الصين. وكتب مذكراته وهي تستحق القراءة وفيها المفيد الذي يثير الانتباه.
ملاحظة2 :
يلاحظ من تقارير السفير أنه لا يتطرق لموقف العراق من حلف بغداد علما أن الخارجية البريطانية تشير أن العراقيين راغبون في البقاء في الحلف حتى يكون ذلك ضربة لجمال عبدالناصر. وفي برقيات السفير أشار وزير خارجية الولايات المتحدة إلى أن العراق لن يكون مخلصا في الحلف وأنهم يرغبون في البقاء مؤقتا حتى يزعجوا آخرين وإذا بقوا في الحلف لن تخاطر الولايات المتحدة في تبادل المعلومات معهم و اقترح جون فوستر دلاس وزير خارجية الولايات المتحدة عدم الحديث عن مشاركة العراق في الحلف.
ملاحظة أخيرة: نلاحظ أن الإعلام والدعايات كانت سببا من أسباب التذمر السياسي عند العراقيين وأن الإعلام المصري الذي هاجم النظام الملكي هاجم النظام الجمهوري الذي جاء ايضا والذي ابتعد عن الأشياء التي ينتقدها المصريون مثل علاقة العراق مع الغرب. واشير لنواحٍ اخرى وهي دور الوسيط عبد الحميد السراج مدير المخابرات ووزير الداخلية في الجمهورية العربية المتحدة والاهم انني لاحظت عدم كفاءة الجميع واعني ان الانقلابيين مجموعة مغامرة ليس لها تصور ولا خبرة في الحكم وانهم اغرار ولاحظت ان الاسطورة التي احاطت بالسراج مبالغ فيها وان الدعاية الناصرية ضخمته وخلقت حوله هالة غير حقيقية وقد عرفت كل ذلك من موقفه من ثورة الشواف في الموصل 1959 وان النكبة التي حلت في الموصل والشواف له دور فيها فلا ساعدها جيدا وبمسؤوليه ولا نصح ضباطها ومنع اراقة الدماء وانهم يتشابهون انهم مغامرون وحولهم دعايه تنفخ فيهم وادى الغرب دوره باحتراف بان فتح لهم المجال لمزيد من الغرور القاتل و الاسترخاء وعدم الاتزان الاجتماعي وظنوا ان الامور دانت لهم في حين كان الخصوم ساهرين ينتظرون الانقضاض وانقضوا فعلا على هذه المجموعة عام 1967 وهي في حالة استرخاء وعدم مسؤولية ومنذ ذلك اليوم ونحن نحاول ان نرمم ونصلح ما افسده الدهر دون طائل.