البعد الأمني في التعديلات الدستورية
د. هايل ودعان الدعجة
24-08-2014 05:56 AM
تندرج التعديلات الدستورية الاخيرة المتعلقة بإسناد صلاحية تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات العامة الى الملك مباشرة دون تنسيب رئيس الوزراء والوزير او الوزراء المختصين ، وتوسيع دور الهيئة المستقلة بادارة الانتخابات والاشراف عليها لتشمل بالاضافة الى الانتخابات النيابية الانتخابات البلدية واي انتخابات عامة اخرى وغيرها ، في اطار المشروع الاصلاحي الاردني الذي يستند الى التدرج والتراكم والتوافق على الاولويات والملفات والقضايا الوطنية في تأكيد على ان الاصلاح يمثل عملية تراكمية . فاذا كان التعديل المتعلق بالهيئة المستقلة
للانتخاب يهدف الى تفعيل المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار من خلال توفير المزيد من الضمانات الديمقراطية بما هي نزاهة وشفافية وحياد ، وصولا الى استعادة ثقة المواطن بمؤسسات الدولة ، فان تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات العامة ، يبعث باشارة واضحة نحو توجه بلدنا الى تحقيق او تطبيق مفهوم الحكومات البرلمانية تكريسا للعمل الكتلوي والحزبي والمشاركة الشعبية في العملية السياسية وصناعة القرار ، ما يتطلب من الاحزاب تطوير ادائها على اساس برامجي مؤسسي ، بحيث ترتقي الى مستوى متطلبات المرحلة وتحدياتها . دون ان نغفل البعد الامني من وراء هذه الخطوة الوطنية من خلال ترسيخ الحياد السياسي للمؤسسات الامنية والعسكرية وتحصينها وتمكينها بحيث تتفرغ لمهامها ووظائفها العسكرية في اطار العمل المهني والاحترافي والعسكري ، بعيدا التجاذبات او التضاربات السياسية في ظل تسارع خطوات الاصلاح الوطني ، بطريقة تجعلنا نقترب من الوصول الى الحكومات البرلمانية ، ما يتيح المجال للحديث عن الاغلبية والاقلية والحزبية والتكتلات النيابية ، بشكل قد يقود الى تشكيل الحكومة من قبل جماعات او تيارات او احزاب تتعارض برامجها واهدافها واولوياتها مع الاولويات والثوابت الوطنية او تتعارض ارادتها مع ارادة الملك ,ما يجعل بلدنا عرضة للدخول في ازمات واشكاليات سياسية قد تشل او تعطل اداء الحكومات البرلمانية او يوقعنا في براثن الفوضى والاضطراب التي عانت منها بعض دول الاقليم التي اقحمت المؤسسات العسكرية والامنية بالسياسة وجعلتها رهينة قرارات سياسية وحزبية مصلحية وضيقة يغلفها الانتقام وتصفية الحسابات . ما يعني ان التعديل الدستوري الاردني لم يأت عبثا او بمعزل عما يشهده الاقليم من تداعيات واضطرابات خطيرة ، في تأكيد على انها خطوة اصلاحية حكيمة ومدرسة تنطوي على ابعاد امنية هدفها تعزيز الامن والاستقرار في بلدنا .
ان ما يشاع هنا وهناك على ان هذا التعديل ينطوي على انتقاص للولاية العامة ويجرد الحكومة من المسؤولية ويضع الملك في الواجهة مع انه راس الدولة ومصون من كل تبعة ومسؤولية ، فلا بد من التأكيد على اهمية التمايز ما بين التعيين وممارسة السلطة حيث ستبقى الاجهزة الامنية والعسكرية مرتبطة اداريا ووظيفيا بالحكومة وانها تعمل في اطار السياسة العامة للحكومة وتقوم بتنفيذها . وبالتالي فهي خاضعة لرقابة مجلس النواب صاحب الصلاحية الدستورية في مراقبة اداء الحكومة واعمالها . كذلك فان المادة 45 من الدستور تؤكد على عدم وجود اي اختراقات او شبهات دستورية
جراء هذا التعديل ، حيث تنص على ان يتولى مجلس الوزراء مسؤولية ادارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية ( باستثناء ) ما قد عهد ام يعهد به من تلك الشؤون بموجب هذا الدستور او اي قانون الى اي شخص او هيئة اخرى . وطالما ان الملك هو الذي يعين رئيس الوزراء ورئيس مجلس الاعيان فهو هنا وحسب التعديل الدستوري سيتولى تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات العامة ولا يترتب على ذلك اي تعارض او اي مخالفة دستورية .