facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




ورحل .. محمد الدباس


صالح عبدالكريم عربيات
24-08-2014 04:16 AM

انا من جيل كان مطلوبا منه أن يحفظ قصيدة عمي منصور (النجار) مثل اسمه.. ولأنني مش شاطر في الحفظ، وكنت اتلعثم في بعض أبيات القصيدة، كان يتم عقابي، كما لو انني قدحت مقامات عليا.. مع أن عمي منصور هو(نجار) وليس ممن شاركوا في الثورة العربية الكبرى، او أحد شهداء معركة الكرامة، او أحد رجالات الدولة الاوائل..

لليوم أشكو من وجع (جنبي) بفضل عمي منصور (النجار).. مع اننا مررنا على سيرة الخلفاء الراشدين وكنا نخطئ في ترتيب سنوات الخلافة ولم نعاقب، ومررنا على عمر المختار، واذكر ان أحد الاغبياء أجاب أنه استشهد بحادث سير، ولم نعاقب، ومررنا على المتنبي واحمد شوقي ولم نحفظ قصائدهما، ولم نعاقب.. بينما لم يكن هناك أي تساهل في عدم حفظ قصيدة عمي منصور (النجار) وكان يتم استدعاء ولي الامر في حال عدم قدرة الطالب على حفظ القصيدة حتى ان احد الاباء حلف على زوجته بالطلاق اذا لم يحفظ ابنها القصيدة معتقدا ان عمي منصور (النجار) مدير مخابرات بعدما شاهد مدى اهتمام القيادات التربوية بهذه القصيدة..

ودّعنا المدرسة ونحن لا نحمل من ذكرياتها الا وجع عمي منصور (النجار) وبدأنا نجلس في مجالس الاهل والاصدقاء الجيران ولا نسمع الا الدعاء بطول العمر للعم (أبو رامي).. بينما لا احد يدعو لمن أفنينا سنوات عمرنا نحفظ قصيدته، فبدأنا نسأل عن هذا الحب وعن هذا الدعاء الصادق وعن هذا الرجل العصامي !!

قالوا لنا: انه من أنظف واطهر وزراء المالية في تاريخ الحياة السياسية الاردنية.. ففكرت للحظة من القهر والغيظ ان أرفع قضية على من علمني أن نضالي وتاريخي ومستقبلي هو عمي منصور النجار، ولم يعلمني شيئا عن أطهر رجال الوطن، وصاحب اليد النظيفة، وبيت الخبرة والحكمة، وصاحب المواقف الرجولية، وبمن تزين طوال سنوات حياته بانبل الخصال الحميدة مثل العم (أبورامي)!!

يا الله.. كم يموت الرجل المخلص في وطني.. مرة حين يخلص في عمله ويرفض ان (يبعزق) دنانير الشعب هنا وهناك، فيتم أعفاؤه من المنصب، ومرة حين يخلفه في المنصب ممن (هب ودب) فيموت حسرة على مصير اموال الشعب التي طالما اعتبرها من المحرمات، ومرة حين يشاهد ارقام العجز والمديونية تقفز مثل قفزات (الكنغر) من دون حسيب او رقيب، ومرة حين توزع الاوسمة والنياشين على بعض من أهدروا اموال الشعب، ويُنسى مَن صدقوا العهد والوعد، وكانوا لاموال الشعب حافظين..

رحل محمد الدباس.. وتاريخ وفاته ليس بالامس بل منذ عام 1979 حين كان اخر منصب تسلمه وزيرا للمالية، فمن يصدق ان أطهر (توقيع ) في تاريخ الحياة السياسية الاردنية لم يتول منصبا منذ ذلك التاريخ، بينما غيره من أشباه المواقف والمرتجفين تم تدويرهم في المناصب الحكومية على مدى عقود خلت..

نعم؛ مات من قدم درسا ان الاردني لا يباع ولا يشترى ، لأن ذمته الوفاء، واخلاصه عهد ووعد، نعم مات الكبير في خُلقه وعطائه وانتمائه في زمن نشكو فيه تجني صغار النفوس ممن باعوا احلام الاردنيين في مزاد علني.. نعم مات من ندعو الخيرين من أبناء وطننا ان يقتدوا نهجه، وحرصه، ومواقفه، حتى يبقى الاردن عزيزا منيعا في وجه التحديات..

رحل محمد الدباس.. ويبقى لنا مثالا وقدوة إن اردنا في يوم من الايام أن نصنع في هذا الوطن عظماء !!
(العرب اليوم)





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :