قد يبدو الربط بين هذه الأسماء الثلاثة على قدر من التعسف، إذا انصرف ذهن القارئ إلى شجون أكاديمية، لكن القرار الإسرائيلي الاحتلالي والانتهاكي بتهجير خالدة جرار من رام الله إلى أريحا وفرض الإقامة الجبرية عليها يعيدنا على الفور إلى ما كتبه الراحل إدوارد سعيد من اتفاقية أوسلو، فقد كانت هذه الاستباحة من توقعاته، لأنه بحصافته لم يصدق الترتيب الأبجدي لخطوط الطول والعرض في فلسطين وتوزيعها بين مناطق ألف وباء.. وأخيراً القاف أو الكاف لا فرق، بحيث أصبح على الفلسطيني أن يكرر عبارة أبجد هوز حطي كلمن لكن ليس على طريقة ليلى مراد ونجيب الريحاني بحيث تكون التكملة شكل الأستاذ بقي منسجم، والعبارة الآن التي تليق بهذه الأبجدية السياسية هي شكل الأرض أصبح شبه منحرف وليس مستديراً.
في تلك الأيام أغضب نقد سعيد لأوسلو أولياء الأمر، وأذكر أن صديقاً أراني ورقة مصدّرة وموقعة لمنع تداول كتب إدوارد سعيد في بلاده!
من حيث المبدأ لا فرق بين العدوان على قطاع غزة وقتل الآلاف من الفلسطينيين ومعظمهم أطفال ونساء وبين استباحة منزل نائب فلسطيني في رام الله، فالانتهاك كالشرف والسيادة لا يقبل القسمة على كسور عشرية، وحين يصر الفلسطينيون على حماية خالدة والالتفاف حول منزلها والوقوف في وجه القرار الهمجي الذي اتخذه الغزاة، فتلك أيضاً مقاومة، لأن مثل هذه الثقافة مناخ أولاً وتفاصيل قد تبدو ثانوية أمام البعض ممن اختزلوا مفهوم المقاومة إلى فوهة بندقية فقط.
ما توقعه إدوارد سعيد جاء لسببين أولهما وهو الأهم فهمه الدقيق للذهنية الأمريكية، وبالتالي للذهنية الصهيونية التي تأسست على أطروحات مضادة للتاريخ والإنسانية، ما دام البشر قد صُنّفوا تبعاً لهذه الذهنية إلى يهود وجوييم، وإذا استخدم الاحتلال فائض قوته لتهجير خالدة من رام الله، فإن السيارة التي سوف تقلها ستمر بالقرب من مركز القيادة، ولا أظن أن خالدة ستلوح بيدها مودعة رام الله، بل ستقاوم هذا القرار الانتهاكي والاستباحي ما استطاعت إلى ذلك سبيلا!
هذه الحادثة التي تتزامن مع استئناف تدمير غزة وإحراق أطفالها في المهود هي البرهان الساطع والأخير على أن فلسطين كلها محتلة باستثناء غزة، لأن سلطات الاحتلال تتعامل مع كل المناطق من سلسلة أبجد هوز في فلسطين على أنها محافظات تابعة لها ولوزارة الحرب في عاصمتها تل أبيب وليس القدس التي أصبحت تحصي الدقائق بما يصلها من صواريخ!
إن نجاح إسرائيل في إنجاز مثل هذا القرار له معنى واحد لا يقبل أي تأويل وهو أنها تستطيع في لحظة ما أن تحمل الضفة كلها في شاحنات تنتظرها خيام جديدة!
(الدستور)