من غـزة وعنها .. البناء على ما أنجز (6)
بلال حسن التل
24-08-2014 04:11 AM
نؤمن تمام الإيمان أن غزة في مواجهتها الحالية لم تحقق النصر النهائي للأمة على إسرائيل. فالطريق إلى هذا النصر ما زال طويلاً، ويحتاج إلى الكثير الكثير من الإعداد والاستعداد المادي والمعنوي، لكننا نؤمن أن غزة قطعت خطوة هامة على طريق تحقيق هذا النصر، الذي بدأ التأسيس له في معركة الكرامة يوم انهزمت إسرائيل هزيمة نكراء على مسافة زمنية قصيرة من رواج مقولة:"الجيش الذي لا يقهر" وهو الوصف الذي أطلق على الجيش الإسرائيلي بعد حرب حزيران 1967، وعلى كل الذين ما زالوا يؤمنون بغلبة إسرائيل قراءة الوقائع على الأرض. فلو أحسنوا هذه القراءة لاكتشفوا ان حرب حزيران 67 كانت آخر الانتصارات الحاسمة لإسرائيل..
فمنذ تلك الحرب لم تحقق إسرائيل نصرًا حاسمًا واحدًا، ولم تحقق هدفًا نهائيًا، على العكس من ذلك كله. فقد فُتح سجل هزائمها وصار يكبر يومًا بعد يوم. ابتداءً من معركة الكرامة وانتهاءً بمعركة غزة الأخيرة مرورًا بحرب الاستنزاف، ومن ثم حرب 1973، وما تلاها من اندحارها في لبنان أكثر من مرة كان آخرها في عدوان تموز 2006، وكل هذا المسلسل من الهزائم الإسرائيلية يؤسس لهزيمتها النهائية، التي سيعجل بها حسن تصرفنا نحن الذين نقف في الصف الآخر في مواجهة إسرائيل، لأنها احتلت أرضنا وذبحت أهلنا، ودنست مقدساتنا، فصار كل واحد منا مطالبًا بأداء دوره في صناعة النصر النهائي عليها من خلال البناء على ما تحقق منذ معركة الكرامة حتى الآن.
وأول ذلك أن نعترف ان ما جرى في غزة من إنجاز ومن صمود ليس من صناعة فصيل بعينه، ولا فريق بذاته، فالذين صمدوا ودفعوا الثمن هم كل أبناء غزة، وفيهم من لا ينتمي إلى أي فصيل، لكنه ينتمي إلى الأرض التي أحبها ورفض ان يتركها، وبالمناسبة فإن سكان غزة يمثلون كل مناطق فلسطين ونسيجها الاجتماعي ووحدتها الجغرافية.
من هنا فإن الانجاز الذي تم هو حصيلة جهد مشترك لكل أبناء فلسطين وفصائلهم، وقواهم الاجتماعية، ومن ثم فليس من اللائق ان يحاول فصيل بعينه ان يحتكر إنجاز غزة وان ينسبه لنفسه وان يحاول تحويله إلى ورقة في رصيده السياسي.
فهذا السلوك من قبل الفصائل هو الذي كان يمزق دائمًا وحدة الصف ويضيع الإنجاز، وهو عينه الذي أدخل قضية فلسطين في لعبة المحاور العربية. فلم تعد قضية العرب المركزية، وهو سلوك نحذر من العودة إليه حتى لا تذهب عذابات أبناء غزة أدراج الرياح كُرْمى لهذا المحور العربي، أو ذاك من المحاور التي ينحاز إليها هذا الفصيل أو ذاك.
لذلك نكرر التحذير من محاولة تجيير تضحيات أبناء غزة لفصيل دون غيره. فكل من كان على أرض غزة قاتل وصمد وضحى وبنى الموقف الفلسطيني الموحد الذي نرجو المحافظة عليه حتى يكون نواة لبناء موقف عربي موحد حول قضية فلسطين، هذه واحدة..
أما الثانية فإن على كل واحد منا ان يقدم جهده المادي والمعنوي لتثبيت أهلنا في فلسطين ماديًا ومعنويًا، فثباتهم هناك سيشكل كنانة خناجر في جسد إسرائيل، وسيظل قذىً في عينها يحرمها من النوم، ويذكرها ان لهذه الأرض أهلاً حقيقيين، وأما من سواهم فعابر وزائف.
ثبات أهلنا في فلسطين وتثبيتهم فوق أرضهم، هو الذي سيشكل الجبهة الرابعة التي بشر بها ونادى لإقامتها شهيد فلسطين وصفي التل، وترجمها أبناء فلسطين في انتفاضتهم الرائعة في ثمانينيات القرن الماضي. فالمقاومة الشعبية بكل الوسائل المتاحة عنصر هام على طريق تحقيق النصر النهائي، واستعادة حقوقنا في فلسطين.
وبموازاة تثبيت أهلنا في فلسطين، لا بد من العمل على توهين العدو. ولذلك وسائل كثيرة، أهمها: تفعيل مقاطعته اقتصاديًا، وثقافيًا، وفنيًا، فالمطلوب هو المقاطعة الشاملة لهذا العدو. وهنا تبرز المسؤولية الشخصية لكل واحد منا، فليدقق كل منا في مصدر ما يشتريه حتى لا يتسرب فلسٌ من جيبه إلى جيب إسرائيلي محتل، وليدقق كل منا في كل لافتة إعلامية، أو فنية، أو ثقافية حتى لا يتسرب منها مفهوم صهيوني أو متعاطف مع الصهيونية.. فجزء كبير من معركتنا مع هذا العدو معركة مفاهيم ومصطلحات، وهنا لا بد من التنبه للتمويل الأجنبي الذي يفعل فعله في بلادنا من خلال المفاهيم التي يسعى إلى بنائها، في الوقت الذي يهدم فيه مفاهيمًا أخرى.
وفي إطار توهين العدو يبرز دورنا كأفراد، وكمؤسسة مجتمع مدني في السعي لبناء جبهة عالمية مناصرة لحقوقنا في فلسطين، وبضرورة إنهاء آخر احتلال في هذا العالم، يمثله الاحتلال الإسرائيلي.. فلا بد من العمل على ملاحقة هذا العدو واحتلاله لأرضنا في المجالين: الإعلامي والقانوني. وقد صار الأمر متاحًا من خلال شبكات التواصل الاجتماعي التي يجب ان نستخدمها بكل اللغات. أما على الصعيد القانوني فإن الكثير من المحاكم الدولية جاهزة لاستقبال الشكوى ضد جرائم الحرب التي يرتكبها قادة العدو الإسرائيلي، فصار من واجبنا ان نلج أبواب هذه المحاكم.
كثيرة هي الخطوات المطلوبة لتحقيق النصر النهائي في صراعنا الحضاري حول فلسطين.. لكن الهامَّ أن غزة قطعت خطوة واسعة على هذا الطريق.
(الرأي)