في سبعينيات القرن الماضي كان لمادة العلوم العسكرية معنى خاص واستعداد وطقوس.. كنا في الجامعة الاردنية نجدول المادة صيفا او شتاء لعلمنا ان الجانب العملي من المساق سيكون اسبوعا كاملا في معسكرات خو الاشهر بين مراكز التدريب للاغرار "الجدد" مثلنا.
انهينا متطلبات المساق النظرية باكثر من اربعين محاضرة عرفتنا على الجيش العربي واسلحته وتاريخه ومعاركه وعلى بقية العلوم العسكرية وملخص عن الحروب واستخدامات الاسلحة.
اطل علينا لتغطية المحاضرات رجالات عرفوا بتاريخهم ومواهبهم وقدراتهم.. كان المقدم فاضل الطراونة مديرا للمكتب العسكري في الجامعة الاردنية في منتصف السبعينيات وكان يتولى تنسيق برامج المحاضرات ويشرف على ادارة المساق الذي يلتحق في شعبه المختلفة مئات من الطلبة في كل فصل.
في شتاء 1976 وبعد ان انهينا متطلبات المساق الذي اطل علينا في بعض محاضراته اللواء يوسف كعوش، والعميد انذاك زكي كمال والذي بقي في رتبة عميد لاكثر من عقد لمحدودية الشواغر في الرتبة التالية في الدائرة المالية.. تعلمنا عن الحرب الكيماوية وزراعة الالغام وفك وتركيب الاسلحة وانواع الطائرات المقاتلة والقاذفة واسلحة المشاة والدروع والمدفعية والهندسة والمظليين والنقل والتموين وال.. م .ط.. والفن الاعلى.. او الصيانة..
تهيأنا للالتحاق في معسكرات خو.. وحضرنا مبكرا الى الجامعة حيث ستأتي الباصات العسكرية لنقلنا...كنا يومها قرابة الـ500 طالب.. وكنت قد هيأت نفسي فارتديت بدلة فوتيك وبسطاراً عملت على تلميعه في الليلة التي سبقت الالتحاق.. وما ان حطت باصاتنا في ميدان خو .. حتى جرت محاصرتها من ضباط الصف المتدربين الذين باشروا توزيعنا على الارهاط التي كان مجموع اعضاء كل منها في حدود الثلاثين طالبا..
في ذلك اليوم احسست بالتنوع والتباين ومستوى الالفة مع نمط الحياة العسكرية.. بتفحص عابر وسريع اشار لي وكيل القوة ان اخرج من طابور الرهط الذي جرى تأليفه للتو وابلغني انني سأكون عريفا للرهط ومساعدا للمدرب الذي سيتولى اذاقتنا طعم الجندية خلال الاسبوع القادم... جمعنا امتعتنا والتحقنا بالبركس الخاص برهط 9.. وبدأت مهامي باعداد كشف بالاسماء للرهط الجديد والتأكد من اتمام الجميع ﻷولى خطوات التدريب والمتمثلة في زيارة فرع الحلاقة الذي يقوم عليه ثلاثة حلاقين ينجزون مهمة جز شعر الواحد منا في دقيقة او اثنتين على اكثر تقدير.
في دقائق معدودة كان علينا ان نهرع لاستلام التجهيزات الضرورية التي ستشعرنا بعسكرتنا.. بطانيات بشكير .. فوتيك.. ملابس داخلية.. بسطار.. نطاق... وقايش .. ونحاسيات.. واوجه مخدات... وجرابات...الخ.
في ذلك الاسبوع كان الشتاء قارسا..والمياه باردة.. والريح شديدة...
كان الصحيان مبرمجا فعلى الجميع النهوض قبل الخامسة والاستعداد للرياضة الصباحية قبل الافطار الذي كان البيض المسلوق وقطعة الخبز وكوب الشاي اهم مكوناته في الايام التي لاتكون التطلي او الحلاوة حاضرة...
في الطابور الصباحي يتهيأ الجميع للتفتيش على الحلاقة والتلميع للحذاء والنحاسيات..ولم نكن قد بلغنا من المهارة ما يمكننا من السير البطئ والسريع من امام المنصة.. للمعسكر الذي كان يقوده عميد.......الخصاونة.
امضينا اياماً وساعات جميلة تعرفنا فيها على بعضنا بعضاً ونمط حياة فيه من الجدية والانضباط والاصرار ما يمكننا من ان نقود حياة لا تخلو من الانجاز .
لا ادري كيف اصبحت خو هذه الايام.. ولا ارى من رفاق تلك الرحلة الغنية غير بعض الاصدقاء الذين اصبح بعضهم قادة لاجهزة امنية وعسكرية..
كم اتمنى ان يعيش ابناؤنا تجربة المعسكرات.. وتجارب الزراعة العملية التي عشناها.. وتجارب ربط التعليم بالحياة والعمل...
تحية لـ فاضل الطراونة... ولـ زميله الملازم الخوالدة.. ولكل الذين كانوا يقدمون دون ان يحسبوا علينا عملهم أو يمنون...