بعث لي أحد أصدقاء "فيسبوك" شكوى بشأن الاستغلال الذي تعرّض له من قبل أحد المستشفيات الخاصة، حين اضطر إلى اصطحاب طفله إلى قسم الطوارئ هناك.
يشرح الصديق أن الاستغلال وقع في أكثر من اتجاه. الأول، تمثل في المبالغة في الإجراءات العلاجية المطلوبة، حتى وصل الأمر حد إجراء عملية في إصبع الطفل، تحت التخدير الكامل، وهو ما لا يحتاجه الطفل الموجوع.
ولم يتوقف الاستغلال هنا، بل قفز إلى مرحلة جديدة، بعد ليلة واحدة قضاها في المستشفى؛ إذ كانت المفاجأة في تكاليف العلاج التي بلغت نحو 1500 دينار! وخُفّضت بعد الاحتجاج و"المفاصلة" إلى 950 دينارا!
حال صديقي ليست استثنائية للأسف، بل هي قصة نكاد نسمع مثلها كل يوم؛ عن الاستغلال الجائر الذي يمارَس في القطاع الطبي الخاص في الأردن. وكل من يقرأ سيتذكر، بالتأكيد، قصة حدثت معه شخصيا أو مع أحد أقاربه، تكشف الوجه البشع للاستغلال الذي تمارسه مستشفيات على مرضى، سواء كانوا أردنيين أو أشقاء عرب، وقصة المرضى الليبيين، وغيرهم، ما تزال في الذاكرة.
بالصدفة، التقيت شخصية عراقية كردية جاءت إلى المملكة. وسمعت شكوى وشعورا بالخجل مما حل به. تخيلوا أن تصل فاتورة مستشفى خلال خمسة أيام مبلغ 35 ألف دينار، منها 3500 دينار لإجراء فحوصات مخبرية!
الشقيق العراقي الكردي لم يكن يتحدث العربية، فضاع بين ممرات المستشفى محاولا الاحتجاج على عملية النصب التي وقع ضحية لها، إنما من دون فائدة. في النهاية، اضطر للجوء إلى أصدقاء له تدخلوا مع إدارة المستشفى لتقليل الفاتورة، والتي انخفضت فعلاً بعد ذلك بحوالي 10 آلاف دينار.
قصص استغلال مرضى زادت حتى صار يندى لها الجبين، لاسيما أن ما يحصل هو استغلال وطمع بلا حدود، وممارسات مخجلة، من قبل ما يفترض أنه أكثر القطاعات إنسانية، يؤدي القائمون عليه أهم وأنبل مهنة في التاريخ.
كل الشكاوى المقدمة من المتضررين لم تنفع. ولم تُفعّل الرقابة على هذا القطاع الذي يعد أحد الوجوه المشرقة للأردن، وكان مؤهلا للعب دور أكبر في الاقتصاد لولا هذه الأفعال.
وكل الشكاوى لم تدفع الجهات الرقابية إلى وضع آلية تراقب سلم الأسعار الخيالية التي تُحصّل من جيوب الفقراء قبل الأغنياء، من دون مراعاة للبعد الإنساني.
الأنكى من كل ذلك، أن القطاع الطبي بكل مكوناته يتهرّب، بشكل ذكي ومكشوف في آن، من تسديد الضرائب؛ بمعنى أن للاستغلال وخرق القانون أكثر من وجه. وثمة قصص كثيرة عن عمليات تجرى بآلاف الدنانير، إنما من دون فاتورة تثبت حجم الدخل المتأتي عنها.
ليست المبالغة في الأسعار والإجراءات هي العيب الوحيد الذي يعاني منه القطاع الطبي، بل يتعدى الأمر ذلك إلى كثرة الأخطاء الطبية التي طالما أزهقت أرواحا بريئة، كل ذنب أصحابها أنهم وثقوا بطبيب وسلّموه أنفسهم مطمئنين إلى مصيرهم، قبل أن يقعوا نتيجة ذلك فريسة لأخطاء مميتة وقاتلة ومضرّة، ودائما من دون حسيب أو رقيب.
إجراء استطلاع رأي حول الرضا عن خدمات القطاع الطبي وتكاليفه، سيكشف العيوب، ويؤكد حجم الانزعاج الشعبي. لكن ما يحدث في القطاع أمر مسكوت عنه، كما هي الحال بشأن ظواهر أخرى، تبقى من دون علاج لأسباب تتعلق بالنفوذ، أو قوى الضغط التي توقف أي تحرك لمعالجة مثل هذه الجرائم.
ما يحدث اليوم يشوه وجه الأردن الإنساني والمهني في الخارج، ويفقد القطاع الطبي الثقة الداخلية. وما يجري بات أمرا لا يمكن السكوت عنه، وعلى الجميع التحرك لضبطه ووضع حدّ لكل هذه التشوهات، لاسيما أن الضرر يكبر، والعلاج مع مضي الوقت يصبح أصعب وأقسى.
(الغد)