لولا العملاء والخونة في غزَّة، وغير غزَّة، لما تمكنت إسرائيل من قصف سيارة، أو بيت، أو الاستدلال على شخص مطلوب، والخيانة، هنا، مُحيِّرة حقا لاعتبارات كثيرة.
لكننا قبل ذلك لا نريد أن تستدرجنا إسرائيل الى هذه الصورة ، لإهانة غزَّة وأهلها، أو مسَّ فلسطين وشعبها، لإن وراء اشاعة الصورة القبيحة، دلالة إعلامية ذكية، تريد أن تقول إن لإسرائيل أعوان بين الغزيين والفلسطينيين، فيتم تحطيم الروح المعنوية، وإحلال صورة الجاسوس والعميل، مكان صورة الشهيد والمقاوم والبطل، وهناك تعمد واضح لتكبير صورة الخونة، رغم أنهم قلة، لتغطية صورة الشهادة والمقاومة.
في كل شعوب الدنيا، وثورات هذه الشعوب، في الجزائر وفلسطين وليبيا والعراق ومصر و لبنان، وغيرها من دول كان هناك عملاء وجواسيس وخونة، من طبقات مختلفة، من المترجم وصولا إلى مصدر المعلومات، مرورا بالذي يراقب ويرصد، وهؤلاء أكثر خطرا على هذه الشعوب، من الاحتلالات ذاتها، لأن النخر هنا، لا يتضح ببساطة.
في مذابح غزَّة، كنا نقول المفترض أن الخائن والجاسوس، على مشارف توبة، لأن ما يراه من قتل واستباحة، وهتك لحرمات الناس، قد يأخذه الى الصحوة ، والتوقف عن أعماله، التي يشارك بها الاحتلال بجرائمه، ولا تعرف ما سمات الجاسوس الذي يرى الاحتلال يدمِّر المساجد ويقتل ويذبح يمينا وشمالا، ويبقى مصراً على خيانته، وهو لا يعرف أساسا، إذا ما كان القصف العشوائي، سيقتل عائلته، وربما سيصيبه، مثلما جرى في حالات كثيرة، ومثلما نسمع عن تصفية ذات الاحتلال للجاسوس عند توقيت ما.؟!.
في ذنوبنا الفردية، فإن الله عفو كريم، لكن هناك حقوقا للآخرين، وحقوقا للأمَّة، يحملها الخائن في عنقه، فأي قدرة هي التي اتسم بها، ليخون، وماذا يخشى فوق الذي يراه؟!.
إسرائيل توظف حتى الجاسوس لغايات أخرى، أقلها إشاعة فكرة الخائن والمنشق والجاسوس، لتحطيم الروح المعنوية، وبث الشك والريبة بين الغزيين، وإشاعة عدم الثقة بين الناس، بوسائل مختلفة، وتلطيخ سمعة الفلسطينيين.
الخونة لهم مهمات متعددة، من بينها كما قلنا الرقابة والرصد، والإبلاغ عن المطلوبين، ووضع علامات الكترونية على بيوتهم وسياراتهم، فوق بث الشائعات المدروسة داخل البنية الاجتماعية، ونخرها أخلاقيا اذا كان ذلك ممكنا، والأخيرة بحاجة الى تغطية مالية لتنفيذها، فليس كل جاسوس وخائن هنا، فقيرا أو مفلسا، او يتضور جوعا، فقرر -مضطراً- التجسس لإشباع بطنه، فالقصة ليست قصة دولارات أو أسقاط بسبب المخدرات، انها سيكولوجيا الخيانة، وهي بحد ذاتها علم قائم يقرأ بينة الخائن النفسية قبل اسقاطه.
ليس غريبا وجود الخونة والجواسيس، لأن الخونة والمنافقين كانوا ايضا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي كل العهود رأيناهم، يتسللون بفتنهم وقبائحهم، لكننا نحذِّر من تلطيخ سمعة الأبطال، واحلال صورة الخونة مكانهم، فالثوب الأبيض يبقى ناصعا، لكنك تحتار أيضاً في عجز العرب دولا وانظمة وشعوبا وأجهزة، عن تجنيد جاسوس إسرائيلي واحد، إلا اذا كنا نصدق ترهات المسلسلات المصرية، وهذا يفرض قراءات عميقة لسيكولوجيا الخيانة، التي قد تبدأ افتتانا وإعجابا بالعدو، أو كفرا بالدِّين والأمَّة.
والخيانة انواع، يتساوى فيها مصدر المعلومات، مع المطبعين الاقتصاديين، وأَّولئك السياسيين الذين يبررون سرا للاحتلال افعاله، لكنك في لحظة ما، تسأل عن الضمائر المختطفة، التي لا تجد توقيتا للتوقف، ولا للتوبة، ولا للتطهر، وكأن قلوبهم قد اسودت بشدة، ولا أثر لنور فيها.
في شعر بدر شاكر السياب نقرأ السؤال والجواب معاً إذ يقول:
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون
أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون ، فكيف يمكن أن يكون ؟
(الدستور)