الملك يلامس المشكلة بادب الملوك
شحاده أبو بقر
22-08-2014 04:31 AM
يلخص جلالة الملك المشكلة الاردنية في مجملها بانها إقتصاديه ، وهذا تلخيص سليم ينطلق من حقيقة ان الفقر بمثابة البرد هو السبب في كل علة ايا كانت سياسية ام اجتماعية بتلاوينها الامنية والمعيشية والسلوكية الى آخر ما في القائمة من مفردات ، والفقر في الاقتصاد يعمي البصر ، وهذا امر متعارف منذ بدأت الخليقه ، ففي مجتمعات ذات فقر واسع يندر ان تجد احدا مرتاحا لا اؤلئك الذين يملكون ولا اولئك الذين لا يملكون ، واصاب الخليفة الذي قال لو كان الفقر رجلا لقتلته ، فالفقر جدير بالقتل وبلا محاكمه، لان إدانته فيه إذ يفتك بالبشر ودونما رحمه .
بادب الملوك يشير الملك الى معاناة الاردن جراء معضلات الاقليم السياسيه ، والحقيقة المرة على هذا الصعيد تقول بان الاردن كان في مقدمة الدافعين لفواتير اضطرابات الاقليم ومعضلاته ونزواته وحروبه كلها منذ ان نشأ، وهو اليوم وعلى امتداد سنوات ما نسميه الربيع العربي يدفع في كل لحظة فواتير هائلة لا ذنب له اصلا في استحقاق اي منها ، و هي فواتير تفوق قدرة ليس الاردن المحدود في موارده اصلا ، وإنما قدرات اكثر الدول ثراء على هذا الكوكب ، وليس سرا ان الاردن اليوم في عداد الدولة المحاصرة من كل الجهات ، ودون ذنب اردني يذكر ، وانما هي ذنوب آخرين تلقي بتبعاتها علينا، وليس سرا كذلك ان ثلث سكان الاردن اليوم ليسوا من مواطنيه ، وانما هم لاجئون من دول شقيقة فروا بارواحهم الى حيث المقر الآمن ،فالارقام تتحدث عن عشرة ملايين انسان يمارسون حياتهم على الارض الاردنية كاملة بما يترتب على ذلك من استحقاقات ومتطلبات ، في بلد محاصر تماما في رزقه وتجارته ونقله جراء حروب مستعرة في دول جوار شقيقه ، ويعاني اصلا من فقر مدقع في اهم ثلاثة موارد على الاطلاق وهي الماء والطاقة والغذاء واهم مفرداته الحبوب .
يئن الاردن ولا يشكو فالشكوى لغير الله مذله، ويجود بالموجود واكثر ، ومع ذلك فلا حمدا ولا شكورا من احد، اللهم الا من باب الاشادة الشفوية احيانا وعلى السنة ممثلي منظمات الاغاثة الدولية المنصفين الذين يمرون ببلادنا للاطلاع ، ويزيد الطين بلة ان هناك من يسعى لفرض اشتراطات علينا حتى لو كانت سببا في هلاكنا وخراب بلدنا لا قدر الله ، مقابل ان يتفضل علينا بمساعده ، ويزيد الطين بلة اكثر واكثر جلد الذات الذي نمارسه نحن بحق بلدنا وبعضنا البعض، عندما نظهر جميعا افرادا وجماعات بمظهر المنقذ لو هو حكم وينسى ان الوجود في الحلبة غير الوجود في مدرج الجمهور .
مشكلة الاردن لو جاز القول انه بلد حيي يلتزم بمنظومة تقليدية تاريخية من القيم التي يستحي تبديلها ، ومن ذلك مثلا ان الراحل الملك الحسين رحمه الله كان يرفض لا بل ويغضب من اصوات هامسة لامت الاردن على توقيعه معاهدة سلام دون مقابل مادي على شكل مساعدات تدفعها دول كبرى تشجيعا للسلام في المنطقة ، إذ رآى رحمه الله في ذلك مثلبة ما اراد ان يسجلها التاريخ على بلده ، مع ان غيره لم يتردد في قبول الدعم وهذا حقه ، ،والاردن اليوم يتحمل وزر اخطاء غيره ويدفع من قوت عياله ثمنا لا طاقة له به ، ومع ذلك فلم يخرج عن طوره ليلوم الاشقاء على التردد في الدعم لمهمات ليست واجبة عليه وحده ، وإنما هي شأن عربي وعالمي شامل لا ينفع مجرد الشكر او الثناء وحسب في تمكين الاردن من مواجهتها ، فلا بد من ان يتحمل الجميع مسؤولياتهم اتجاههامن جهه ، واتجاه الاردن الذي تقدر التزاماته نحوها بالمليارات لا الملايين من جهة ثانيه.
ان الواجب القومي والانساني وحتى القانوني في كثير من الحالات يستدعي ان يجد الاردن من يتحمل عنه وزر مديونيته الخارجية كاملة غير منقوصة ، فهي مديونية تراكمية جلها المباشر وغير المباشر ترتبت جراء فواتير الاقليم المنظورة وغير المنظوره، لا بل يتطلب الامر عقد مؤتمر دولي لاصدقاء الاردن وهم كثر لتمكينه وبالدعم المباشر بالمال والمشروعات من اداء دوره الذي يتجاوز حدود القومية الى العالمية كجزيرة امن واستقرار وحاضنة لجوء وسط اقليم ملتهب مضطرب الدم فيه للركب كما يقولون ، وهو دور اردني بامتياز يوفر الامن للآخرين قبل الاردنيين ، ويسطر علامة فارقة في الاعتدال والوسطية واشاعة الامن وتوفيره لملايين البشر كواجب يفترض ان تنهض بـه الامم المتحدة بكل دولها والدول الشقيقة التي لا ننكر فضلها ونتطلع منها للمزيد .
باختصار حل مشكلة الاردن الاقتصادية واجب الاخرين قبل الاردن ، وإذا ما طلب لاحد ان يقول وبالطريقة التقليدية وهل الآخرين ولدوا الاردن ونسوه كي يتكفلون بحل مشكلته ، فإن الجواب وهل الاردن ولد كل الملايين التي استقبلها نتيجة نزوات غيره ونسيها كي يعاقب في ان يشيح الجميع وجوههم عن مشكلته كما لو كانوا لا شأن لهم بها .
لنا ان نطلب حقنا من كل العالم وان لا نتردد ، خاصة وان مشكلات الاقليم في ازدياد ولا احد غير الله جلت قدرته يعلم المآلات ، ومشكلتنا الاقتصادية في المقابل برغم كل محاولاتنا للحلول ، فنحن ضحايا المصالح الاقليمية ونزوات الاقليم وتداعيات الربيع العربي الحمر القاني ، وقبل هذا وذاك تقاطعات المصالح الاقليمية ، فاين هي مصلحتنا وسط هذا الطوفان العارم ، وهل علينا ان نسكت عن حقوق بلدنا وان نواصل النيابة عن سوانا في حفظ امنه واقتسام لقمة العيش على شحها مع مهجري الحروب .
نشكر جلالة الملك اذ يلامس المشكلة بادب جم ، ونطالب الآخرين بالوقوف امام الحق والحقيقة فنحن لسنا وكلاء عن احد بعد ان مارسنا ذلك طويلا دون منة وكننا اليوم في ضائقة كبرى ولم يعد بمقدورنا تحمل المزيد الا اذا كان هناك من ينتظر ان ينهار اقتصادنا لا سمح الله لغايات نجهلها ليبادر بعد فوات الاوان للعون ، ولا حول ولا قوة الا بالله ، ونطمئنه بان بلدنا لن ينهار بعون الله الا بعد ان ينهار الجميع وهو ما لا نتمناه لاحد .