هل ذهاب المالكي ومجيء حيدر العبادي سوف يسهم في تغيّر الأمور في العراق المنكوب، وهل سوف يؤدي هذا التغير إلى السير به نحو الاستقرار ووقف شلال الدم، ومخطط التفتيت والحرب الأهلية طويلة الامد، وهل يمكن أن نشهد صفحة عراقية أخرى تعيد الأمل بوحدة العراق وإعادة بناء الدولة الموحدة القوية ؟
يبدو أن الأمور ليست بتلك السهولة، ولا بتلك السرعة، إذ ليس مجرد ذهاب شخص والإتيان بأخر سوف يكون وصفة سحرية لمشاكل العراق المستعصية والمعقدة، التي طال عليها الأمد، وتم بناء الحواجز والجدران بالدم والقتل، وتم استعادة الثارات القديمة وتم نبش التاريخ المذهبي المتعصب، وإطلاق العنان للنزعة الغريزية بالانتقام بطريقة همجية مرعبة.
حيدر العبادي هو عضو ناشط في حزب الدعوة الشيعي الذي ينتمي إليه المالكي، وكان شخصية مقربة من المالكي في الفترة السابقة، وربما لا يختلف عنه من حيث السيرة الذاتية كثيرا، ولكن من المبكر الحكم على أداء الرجل قبل أن يبدأ، إذ من الممكن أن يقف على جوهر المشكلة وينطلق من إسار التقليد للبحث عن منهجية مختلفة يستطيع من خلالها وضع يده على الجرح بروح وطنية صادقة، بالتعاون مع أبناء العراق المخلصين، من أجل التقدم إلى الأمام وليس الرجوع إلى الخلف.
تعرضت العراق إلى تدمير ممنهج، منذ سنوات طويلة، والاحتلال الأمريكي أسهم في الإجهاز على النسيج المجتمعي من خلال صب الزيت على نار التعصب المذهبي، والتعصب العرقي وحول العراق إلى « كانتونات» كردية، وشيعية، وسنية، وبنى حالة سياسية جديدة تقوم على أسس المحاصصة، تشبه الوصفة الللبنانية، بحيث يكون رئيس الدولة كردياً، ورئيس الحكومة شيعياً، ورئيس البرلمان سنياً، تلك الصيغة التي تكرس الفرقة وتحول الطوائف إلى أحزاب سياسية، ومما زاد الطين بلّة حل الجيش العراقي، والبدء ببناء جيش جديد منبثق من المعادلة السياسية القائمة، التي سوف تنعكس على تشكيلة الجيش والأجهزة الأمنية، كما سوف تنعكس على عقيدة الجيش العسكرية وروحه المعنوية التي لا تتصل بالوطن والدولة، وإنما تقوم على أخلاط مذهبية وطائفية مقيتة ليست قادرة على بناء جيش موّحد.
المالكي استلم الحكومة لدورتين متتاليتين أدار الدولة مشبعاً بروح شوفينية عميقة، وتعصب مذهبي قاتل، وأطلق يده في تهميش السنة، وأسس جيشاً طائفياً بامتياز، وأطلق العنان لحرب مذهبية مجنونة، وطارد زعماء أهل السنة وشردهم، وأضعف دورهم في المعادلة السياسية القائمة، واستند إلى الجدار الإيراني المذهبي، وحاول نسج علاقات مع دول الجوار تقوم على سياسة مصلحية فوقيّة لم تنجح ولم تثمر، مما جعل الغالبية الساحقة من أبناء أهل السنة تبحث عن الخلاص عبر المجموعات المسلحة وفروع القاعدة بالتعاون مع ضباط الحقبة البعثية وجنود الجيش المنحل، الذين استطاعوا تشكيل حالة جديدة في الموصل وما حولها حيث تمكنوا من هزيمة الجيش النظامي بسرعة مذهلة، لكنهم يفتقرون إلى النظرة السياسية والرؤية المتكاملة ، ولا يملكون إستراتيجية قادرة على البقاء.
العراق بحاجة إلى شخصية جديدة، تعلن ثورة كاملة على المعادلة السياسية السابقة آثارها ومخلفاتها، تشرع ببناء معادلة جديدة، وإيجاد صيغة تشاركية جامعة تنتفي منها المذهبية والعرقية، وتعيد لحمة النسيج العراقي والمجتمع العراقي الذي يشكل الحاضنة الدافئة للدولة العراقية على أساس المواطنة واحترام كل الأقليات، وانعكاس هذه الفلسفة على تكوين الجيش والأجهزة الامنية وتوزيع ثروات البلاد بعدالة.
حيدر العبّادي يجب أن يتحرر من موروث المالكي، والفلسفة الحزبية المذهبية التاريخية، وأن يعتبر ذلك من مخلفات المرحلة السابقة حيث أن الحاجة تشتد إلى بناء المرحلة الجديدة التي تحتاج إلى أحزاب جديدة وأفكار جديدة، وأصبح من المسلمات الضرورية عدم جواز إقامة أحزاب مذهبية أو دينية، وأن تكون سياسية برامجية محضة، وأن تكون عبارة عن أطر عامة تقوم على برامج سياسية ورؤية شاملة للدولة تتسع لكل مكونات المجتمع دون تمييز ودون قيود تمس العقيدة أو المذهب أو اللون أو الجنس.
نحن امام حالة عراقية وحالة عربية تقتضي المضي قدما نحو التوافق على معالم المرحلة الجديدة التي تنتفي منها الأحزاب الطائفية على سبيل الضرورة والحاجة الملحّة.
(الدستور)