أي خليط من مشاعر الغضب والأسى والخجل اجتاحتنا مع خبر ذبح المصور الصحفي الأميركي جيمس فولي، المخطوف من قبل تنظيم "داعش".
قيل إن فولي كان شخصية محبوبة من زملائه، اشتهر بالحيوية والإخلاص لقضية اطلاع الرأي العام على ما يجري خلف الخطوط، في أكثر الأماكن خطورة. ونقل عنه زملاؤه أنه كان يقول: إذا لم نذهب هناك، فمن يذهب؟
"داعش" كعادته نشر فيديو المشهد الرهيب لجز رأس الصحفي، بينما ناشدت أسرته العالم بعدم تداول الشريط البشع.
وخذ كيف نعت أم الصحفي ابنها: "لقد وهب حياته محاولا إظهار معاناة الشعب السوري إلى العالم.. لم نكن يوما فخورين بابننا كما نحن عليه اليوم".
يا للعار.. إن المرء ليستكثر على العالم، وعالمنا العربي والإسلامي خصوصا، أن يسمح ببقاء هؤلاء الأنذال المجرمين يوما واحدا إضافيا.
وهذا ليس أول صحفي يقتله "داعش"؛ ففي أيار (مايو) الماضي أعدم التنظيم المعتز بالله إبراهيم من ريف حلب، مراسل شبكة شام الإخبارية؛ كما أعدم في كانون الأول (ديسمبر) 2013 العراقي ياسر فيصل الجميلي من الفلوجة، بعد أيام من التعذيب؛ وأعدم الصحفي محمد سعيد الذي عمل مع قناة "العربية" الفضائية السعودية.
وفي تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي كان من بين 50 شخصا أعدمهم "داعش" في شمال سورية، أربعة إعلاميين، منهم: ماهر هسرومي، وأمين أبو أحمد، وسلطان الشامي، الذين كانوا يعملون للمحطة التلفزيونية "شذى الحرية". والحقيقة أنه لا يعود مجال للتفريق في بشاعة الجرائم التي يرتكبها "داعش" بين صحفيين وغيرهم؛ فقد نشر التنظيم فيديو إعدام طفل بدم بارد، وفيديو إعدام طبيبة أسنان لأنها عالجت رجلا.
والإعدامات الفردية والجماعية هي النشاط الرئيس لـ"داعش" في المناطق التي يسيطر عليها، وقد بلغت الذروة مع الأزيديين الذين لم يترك لهم التنظيم خيارا إلا قتل الذكور عن بكرة أبيهم وسبي الإناث. ويستعرض "داعش" وحشيته وإجرامه بصورة لم تقدم عليها أي جهة من قبل. وقد أعدم مرة واحدة في شمال شرق سورية عائلات من عشيرة واحدة سنية بلغ عددهم 700 شخص لعدم الولاء.
لم يعد يعجبني الحديث عن "داعش" في معرض التندر فقط؛ إذ تمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي بآخر النكات، حتى بات ذلك طريقة للتخفيف من وطأة الحقيقة الإجرامية المرعبة والبشاعات التي يرتكبها التنظيم كل يوم.
ذبح الأشخاص أمام الكاميرا، وسبي النساء ورجمهن، وتهجير العائلات، ليس مضحكا، بل حقيقة مأساوية مرعبة. وكل يوم إضافي يمر على وجود هذا التنظيم يعني المزيد من البشاعات.
وليس أقل من ذلك الأذى السياسي البالغ لقضايانا العادلة. فخذ جز عنق الصحفي الأميركي أمام الكاميرات، بينما العدو الإسرائيلي يستأنف غاراته الإجرامية على غزة، تماما كما جرى تهجير وقتل المسيحيين وإحراق كنائسهم مع مطلع العدوان على غزة.
لا يمكن أن توجد في منطقتنا حالة ظهيرة ومناسبة لإسرائيل، مثل وجود هذا التنظيم المجرم الذي يتسربل بالدين، ويعلن خلافة جاهلية.
وقد يبدو "داعش" ظاهرة خرافية سريالية، غير ذات صلة بالعصر والواقع، لكنها موجودة وتتمدد من قلب العراق إلى حدود لبنان، وترتكب الفظائع وتغذي الإعلام الدولي بمادة سامة عن الشرق والإسلام والعرب، حتى لو كان السياسيون في العالم يفهمون أن هؤلاء لا يمثلون سوى أنفسهم.
وفي هذه الأيام بالذات، تعطي أخبار "داعش" أفضل غطاء لجرائم العدو الصهيوني؛ حيث نصل السكين الذي يجز رقبة، يخطف الأنظار عن قذائف الطيران التي تحوّل أفراد عائلات في ثوان إلى أشلاء.
(الغد)