الملك هو الأساس .. نعم للتعديلات الدستورية
د.زهير أبو فارس
21-08-2014 05:18 PM
الجدل القانوني والسياسي الذي أثاره قرار مجلس الوزراء الأخير والمتعلق بالتعديلات الدستورية المقترحة والمرفوعة الى مجلس النواب الذي بدأ مناقشتها بخصوص صلاحية الملك في تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات يستحق التوقف عنده، ومحاولة المشاركة ببعض الأفكار حوله، سيما وأن العديد من الشخصيات والنخب السياسية والقانونية المشهود لها برصانة الموقف وعميق الفكر وصفاء الانتماء والاخلاص للوطن وقيادته، قد طرحت وجهات نظر متباينة في هذا الموضوع بالغ الأهمية والحساسة، والذي يهم بلدنا وشعبنا، ومسيرته الاصلاحية التي لم تتوقف، آخذة بالاعتبار الظروف الموضوعية محلياً واقليمياً، والتي حافظت على الأردن قوياً موحداً رغم الصعاب والتحديات الهائلة التي تواجهه في الداخل وفي الخارج من حوله.
صحيح تماماً ما ذهب اليه الدكتور محمد الحموري، وهو الشخصية السياسية والقانونية المرموقة، عندما أشار في معرض مناقشته للتعديل المقترح الى المادة (45) من الدستور، والتي جعلت الأصل في سلطة ادارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية لمجلس الوزراء، وكذلك نص المادة (51) المتعلقة بمسؤولية مجلس الوزراء عن هذه الادارة أمام مجلس النواب، باعتباره يجسد ارادة الشعب صاحب السلطة، وأعطت لمجلس النواب حق محاسبة مجلس الوزراء، بحيث تكون هذه المسؤولية مشتركة، وهذا النص الدستوري يجعل مبدأ تلازم السلطة والمسؤولية ركناً اساسياً في النظام الأردني (انتهى الاقتباس).
إن اعطاء الملك سلطة تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات بشكل منفرد، واخراج الأمر من صلاحية مجلس الوزراء المنصوص عليها في المادة ( 45) وبدلالة المادة (40) - حسب الدكتور الحموري، يتناقض مع نص المادة (30) من الدستور التي تجعل الملك مصوناً من كل تبعة ومسؤولية، انطلاقاً من مبدأ تلازم السلطة والمسؤولية.
وفي السياق نفسه، وفي دفاعه عن مبدأ حماية الملكية، رفض النائب مصطفى ياغي رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب فكرة التعديل المقترح، معتبراً: « أن مثل هكذا تعديل يشكل نوعاً من تقويض نظام الحكم في الأردن، وأن من يخشى على النظام يجب أن يسعى لحماية الملكية، ومشدداً على ضرورة أن يبقى التنسيب بالمنصبين لمجلس الوزراء».
وفي المقابل، يرى آخرون، ومن بينهم رئيس مجلس النواب السابق عبد الكريم الدغمي، أن التعديلات المقترحة صحيحة وتنسجم مع نهج الاصلاح الذي يقوده الملك، بل ويذهب الى أبعد من ذلك عندما يطالب بتعيين رئيس المجلس القضائي من قبل الملك أيضاً.
إن كانت هذه السطور تعتقد أن مجمل هذه الافكار والآراء وغيرها تمثل ظاهرة صحية بامتياز وتدل على حيوية المجتمع وقيادته ونخبه السياسية والفكرية، ولا تهدف الا الى تعزيز منعة وبنيان الوطن الأنموذج الذي نسعى جميعاً اليه. فالحقيقة تظهر من خلال الحوار البناء وتلاقح الأفكار والرؤى.
وانطلاقاً من كون القوانين تصاغ نصوصها لخدمة المجتمع والوطن، وضمن سياقها التاريخي وظروفها الموضوعية، وهي ليست قوالب جامدة غير قابلة للتعديل والتغيير، فإننا نرى أن التطور السياسي والاجتماعي لمجتمعنا قد قطع شوطاً هاماً على طريق التطور والاصلاح ولكنه لم يصل بعد الى الهدف الأسمى الذي نطمح اليه جميعاً، وهو استكمال بناء الدولة الأردنية العصرية دولة العدالة والمؤسسات وسيادة القانون.
فطريق الاصلاح لازال بحاجة الى تعبيد ليكون سالكاً لنتمكن من الوصول الى المحطة النهائية وهي التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية الناجزة التي ستشكل القاعدة الراسخة للحكومات البرلمانية.
إننا وفي ظروف التحديات الهائلة التي يشهدها المجتمع والتي يمكن توصيفها بمرحلة المخاض العسير الذي لم تحسم نتائجه بعد نحو الاستقرار وتثبيت الركائز الأساسية لدولة القانون والمواطنة العادلة، فإن المصلحة الوطنية العليا تستدعي المحافظة على العنصر الأهم في معادلة الدولة الأردنية وهو الملك كصمام أمان وضابط ومنظم لمجمل أداء العملية الاصلاحية التي تجري في بلادنا، وحامي للهوية الوطنية الأردنية الجامعة، ولم تتطور بعد حالة يمكن ان تغيّر هذا الواقع، ونعني بذلك نضوج الحالة الأردنية للانتقال الفعلي والحقيقي للحكومات البرلمانية، ليصبح واقعاً معاشاً وراسخاً ومستقراً ويعبر بصورة حقيقية عن تطلعات وآمال شعبنا الأردني.
فمصلحتنا جميعاً في إبعاد أهم مؤسستين وطنيتين: الجيش والأمن الضامنيّين والحامييّن لوحدة واستقرار الأردن، عن الصراعات السياسية للأحزاب ومراكز القوى الاجتماعية والفئوية وأصحاب المصالح والنفوذ والجهوية على الأقل على المديين القريب والمتوسط. ونحن وضمن واقعنا ومحيطنا المضطرب لا نملك ترف المجازفة والدخول في تجارب لا تحمد عقباها والندم عندما لا ينفع الندم.
ويقيناً ان الملك سيبقى الضامن الأقوى لمنعة واستقرار الأردن والذي يحظى بثقة كافة فئات ومكونات مجتمعنا وأطيافه الفكرية والاجتماعية والسياسية، وهو قادر بحكم موقعه ومسؤولياته القانونية والتاريخية تجاه شعبه وأمته أن يختار من الكفاءات الأردنية العسكرية والأمنية مايراه مناسباً لتولي المناصب القيادية في هاتين المؤسستين الحيويتين، وهو في الوقت نفسه الأقدر على تقييم أدائهم وعزلهم اذا لزم الأمر، دون أن يتحمل مسؤولية مباشرة عن التقصير أو الاخفاق.
إن المرحلة الحرجة التي تمر بها بلادنا في ضوء ما تشهده المنطقة من حولنا تتطلب منا جميعاً وقفة صادقة مع الذات والمزيد من الالتفاف حول الوطن وقيادته للوصول ببلدنا الى بر الأمان والانطلاق حول المستقبل بخطى اصلاحية ثابتة، بعيداً عن القفز في الهواء الذي وخرق المراحل الذي جربّه الآخرون وتمخض عن فوضى مدمّرة.
إن ما ذهبنا اليه ليس سوى وجهة نظر تنبع من حرص كاتبها تماماً كما هو حرص أصحاب الآراء الأخرى المعارضة على مصلحة شعبنا الفضلى ليتمكن أبناؤنا وأحفادنا لعيش بأمن ورفاء واستقرار في ظل قيادة الهاشميين وأبنائهم وهو أزعم أنه الخيار الوحيد الذي لا خلاف عليه، وهو في المحصلة مصلحتنا كشعب قبل أن تكون مصلحتهم كقادة لهذه البلاد المباركة وهذا الشعب الوفيّ الأصيل.
نقيب الأطباء الأسبق
الرأي