العلاقة الأردنية العراقية، علاقة يصح وصفها بـ «المأزومة»، لأن الشهور الأخيرة شهدت تدهورا في مرحلة «المالكي» على خلفية قضايا عديدة.
ورغم زيارات «المالكي» المتكررة الى عمان، وزيارات رؤساء الحكومات الاردنية الى بغداد، بقيت تلك العلاقات ضعيفة، لاعتبارات مختلفة، و جاء عقد مؤتمر المعارضين العراقيين، ليزيد من تأزيم العلاقة.
بغداد فهمت عقد المؤتمر هنا، باعتباره في سياق ترتيبات إقليمية للإطاحة به في هذا التوقيت بالذات، لأن إشهار العداء الناعم، تبدَّى في توقيت حساس.
في كل الحالات رحل «المالكي» من موقعه، والتساؤلات متعددة حول قدرة رئيس الحكومة العراقية الجديدة «حيدر العبادي» على تصفير الأزمات مع عمّان، وغيرها.
يأتي الرئيس المكلف والعملية السياسية في العراق محكومة لذات المعايير، فـ»العبادي» ليس حراً، ولن يكون قادراً ببساطة على قلب كل المعادلات، فهوم محكوم لذات الكتل النيابية التي كانت تدعم «المالكي»، ولذات القواعد الدستورية والقانونية التي عرقلت «المالكي»، وسيخضع لاعتبارات داخلية متعاكسة، وهي ذات الاعتبارات التي خضع لها «المالكي»، بشأن السُّنة والاكراد وخصومات السياسيين الشيعة.
ورث «العبادي» ملفاً اخطر، اي ملف التطرف، المتعلق بـ»داعش»، وجماعات اخرى، وهذه الفوضى الدموية في كل العراق، التي وصلت كردستان في سياق توظيفات اخرى، والمأزق الدولي اليوم يقول إن دعم الاكراد لمقاومة «داعش» ضروري، وفي هذا الدعم العسكري، مساعدة فعلية للاكراد للانفصال الكلي، في ظل زيادة قوتهم العسكرية، فالاكراد يستفيدون ايضا، من «داعش» لاعتباراتهم الاستراتيجية.
تعقيدات المشهد العراقي الداخلية كثيرة، غير ان السؤال المتعلق بالأردن، لا تتم الإجابة عنه بمعزل عن الاقليم، فكيف يمكن لـ»العبادي» ان يقوم بتصفير الازمات مع كل الاقليم والأردن، وهو يعرف هنا، ان محوراً آخر قوياً في العراق- المحور الايراني وامتداده- قد يعانده، اذا حاول تصفير هذه الازمات حالياً.
هذا يعني أن «العبادي» بين حالين، إمَّا تصفير الازمات داخل العراق فقط، أو تصفير الازمات مع الاقليم فقط، والمفارقة ان كل واحدة منهما مرتبطة بالأخرى وتؤثر عليها.
إذ لا يمكن الوصول الى تسوية شاملة مع كل الاطراف، دون سياقات داخلية عراقيـة،واقليمية وعربية ودولية، تتفق اولا على قضايا اخرى، ويرتد توافقها الاقليمي على نية العبادي بتصفير كل هذه الازمات.
هذا يعني ان الازمة بين عمان وبغداد، ليست ازمة معزولة عن الداخل العراقي من جهة، وعن الاقليم من جهة اخرى، والرئيس المكلف في العراق، أسير لجملة عوامل ستحد من قدرته على اعادة ترتيب اوراق العراق.
الصراع السياسي في العراق، لن يتوقف، لأن فريق المالكي وجماعاته أيضا، يريد أن يثبت أن المشكلة ليست في شخص «المالكي»، ولكنها في ذات تعقيدات العراق والإقليم، وهكذا سينضم هذا الفريق- للأسف- الى سلسلة من الفرق الاخرى التي تسعى لإفشال الحكومة الجديدة، من «داعش» وتطرفها، مروراً بالأكراد وتطلعاتهم، وصولا الى بقية الأطراف، فـ»العبادي» يواجه خصما مستجداً يضاف الى بقية الخصوم، أي فريق «المالكي» المطاح به عن سدة الرئاسة والمتهم بكونه عقدة العراق. كل هذا يقول إن تصفير الازمات بين بغداد وعمان، كلام جميل، لكنه لن يكون ممكنا الوصول اليه بهذه البساطة ، والقصة ليست قصة إعادة السفير العراقي الى عمان فحسب، فتلك قصة شكلية، لكنها أعمق من ذلك بكثير، ولها جذور عراقية داخلية، تمتد شجرتها الى كل دول الاقليم وصراعاتها فوق صدور العراقيين.
علينا أن ننتظر أولا لنرى قدرة الرئيس الجديد، على فك الاشتباك بين الفرقاء السياسيين داخل العراق، ثم قدرته على وقف الفوضى الدموية، ومقدار التوافق العربي والدولي، تجاهه مما سيوفر له بيئة ايجابية، وهذا التوافق مستبعد تجاهه دون ان تقوم هذه الاطراف اساسا بتسوية صراعاتها معاً في الاقليم، بحيث لا نرى شظاياها في العراق.
ليل العراق ما زال طويلا...هذه هي الخلاصة!.
(الدستور)