رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور خبير في الاقتصاد والمالية العامة، واستاذ في العلاقات العامة، ولكنه في الوقت ذاته سياسي مسؤول، وليس من السهل التوفيق بين هذه الصفات الثلاث في جميع الحالات، واغلب الظن أنه ينطلق من مواقف سياسية توظف الاقتصاد والإعلام لخدمة الهدف السياسي، ولو كان هدفاً تكتيكياً عابراً.
لو كان الحديث حول إنجازات الحكومة فالرئيس سيقول إن الاقتصاد الأردني بخير وفي حالة تعافي، فالاحتياطي لدى البنك المركزي في الأوج، والتضخم في حدوده الدنيا، والنمو الاقتصادي إيجابي، والأردن مدعوم مادياً من الدول الشقيقة والصديقة، وكل هذا صحيح وموثق. أما إذا كان الحديث عن رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء، أو عدم الخضوع للإضرابات المطلبية المتعسفة، فهو يقول إن الاقتصاد الأردني في أسوأ حالاته والوضع المالي بائس! وربما كان المقصود أنه يمكن أن يصير في أسوأ حالاته لو فتح الباب للأطماع المطلبية التي تفوق إمكانيات الاقتصاد.
تصريحات الرئيس تخلق انطباعات ذات طابع مؤقت، وهي تساعد في تمرير سياسات حكومية معينة، وتعتبر جزءاً من أدوات العلاقات العامـة، ولكن هناك من يحاول إخراجها عن سياقها التكتيكي المرتبط بموقف آني معين، ويتعامل معها وكأنها محاولة لتقييم الوضع الاقتصادي والمالي، ولهذه السياسة مثل كل دواء آثار جانبية غير مرغوب فيها.
الرئيس لا يتبع أسلوب المصادمة المباشرة مع الخصوم بل يدور حول العقبات التي تصادفه ليتجاوزها، ويعتمد على الإيماءات الذكية لإيصال الرسالة.
على سبيل المثال نفى الرئيس في اثنين من مؤتمراته الصحفية الاخيرة أن تكون الحكومة تفكر في حل جماعة الإخوان المسلمين. البسطاء ظنوا أنه يطمئنهم، ولكنه في الواقع يحذرهم، فالمعنى المقصود أن الحل وارد، ولكن هناك فرصه لتجنبه على ضوء تعديل سلوك الجماعة والتقاطها للإنذار المبطن.
فك رموز التصريحات المشار إليها أعلاه قد يعني أن على نقابة المعلمين أن ترعوي وإلا...، وعلى الإخوان المسلمين أن يراجعوا أنفسهم ويتوقفوا عن مناكفة الدولة وإلا... وإن الاقتصاد الأردني في حالة مقبولة والوضع المالي صعب ولكنه ليس بائساً أو ميؤوساً منه، وهو لا يملك فوائض تسمح بالاستجابة للمطالب المتزايدة التي لا تقدّر الوضع.
(الرأي)