من غـزة وعنها (5) غزة تعلّمت الدرس
بلال حسن التل
20-08-2014 03:32 AM
في كل الاعتداءات التي شنتها الحركة الصهيونية، ومن ثم إسرائيل على أمتنا منذ بدء الصراع على فلسطين، كان الأمر ينتهي دائمًا بوقف إطلاق النار دون الوصول إلى نتائج حاسمة، تنهي الصراع الدائر حول فلسطين، مما يؤكد انه صراع وجود لا صراع حدود. غير أن اللافت للنظر أن الغرب على وجه الخصوص، وفي ركابه الأمم المتحدة، لم يكن في كل مرة يندلع فيها القتال يتحرك لوقف إطلاق النار، وفرض الهدنة، إلا عندما يستشعر خطرًا حقيقيًا على إسرائيل.. حدث ذلك في حرب 1948 عندما فرضت الهدنة الأولى، حيث تم تزويد إسرائيل فيما بين الهدنتين بكميات كبيرة ونوعية من السلاح، كان في طليعتها الطائرات الحربية التي شكلت منذ ذلك التاريخ نقطة التفوق الأساسية للعدو الصهيوني.
لقد ظل تزويد العدو الإسرائيلي أثناء المعارك لتمكينه من الصمود ثم الانتصار ثم فرض هدنة، سيناريو تكرر في سائر المواجهات التي شهدتها المنطقة منذ اندلاع الصراع حول فلسطين بين أبناء أمتنا وبين الحركة الصهيونية، ومن شايعها ورعاها من دهاقنة الاستعمار الغربي. وبخلاف ذلك لم يكن أحد ليتحرك لوقف العدوان الصهيوني باعتبار أن إسرائيل تمارس حقها في الدفاع عن نفسها، وهو بالضبط السيناريو الذي رأينا نسخته الأخيرة في العدوان الأخير على غزة.
فبالرغم من كل جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل، من قتل للأطفال الرضع، والشيوخ الركع، والنساء العُزّل، وتدميرها لكل مقومات الحياة، فإن أحدًا من قادة الغرب لم يتحرك لوقف هذه الجرائم بذريعة أن إسرائيل تمارس حقها في الدفاع عن النفس، غير ان المشهد انقلب عندما آتت صواريخ المقاومة أُكلها، وتعالت صيحات الإسرائيليين هلعًا من هذه الصواريخ، التي فرضت على الإسرائيليين الاختباء في جحورهم، وشلّت مظاهر الحياة في جلّ الأراضي المحتلة من فلسطين التاريخية، عندها تحركت الولايات المتحدة ومن سار في ركابها، وكثرت الدعوات لوقف إطلاق النار، في نفس الوقت الذي فتحت فيه الولايات المتحدة الأمريكية مخازن أسلحتها الموجودة أصلاً في فلسطين المحتلة لتأخذ منها إسرائيل ما تشاء من آلات الدمار لتواصل عدوانها على غزة، مما يذكرنا بالجسر الجوي الذي أقامته واشنطن في حرب رمضان عام 1973 لإنقاذ إسرائيل من هزيمة مؤكدة يومذاك، وكما جرى في كل مرة كانت فيها إسرائيل تواجه الهزيمة.
ومثلما تتعالى أصوات أمريكا والسائرون في ركبها لوقف إطلاق النار تزامنًا مع مدّ إسرائيل بالمزيد من الأسلحة، فإن اللافت للنظر أيضًا هو سعي أمريكا ومن يسير في ركبها لتحقق لإسرائيل عبر المفاوضات التي ترافق أو تعقب وقف إطلاق النار ما تعجز إسرائيل عن تحقيقه من خلال النار، حدث ذلك في عقب كل الاعتداءات التي شنتها إسرائيل على أمتنا. حيث استطاعت إسرائيل الحصول من خلال المفاوضات على أكثر بكثير مما استطاعت ان تحصل عليه بالحروب، دون ان تقدم شيئًا مقابل هذه المكاسب التي حققتها على طاولة المفاوضات، ويكفي هنا الإشارة إلى أنها حصلت خلال المفاوضات على اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بوجودها، في حين أخرت القضايا الرئيسة في الصراع الدائر حول فلسطين إلى ما أسمته بمفاوضات الحل النهائي الذي لن يأتي أبدًا عبر المفاوضات، فقد أجلت إسرائيل قضايا القدس، والحدود، واللاجئين، والمياه إلى ما أسمته بالحل النهائي.
إذن بالمقابل لماذا اعترفت منظمة بالتحرير الفلسطينية بإسرائيل، وقد أُجلت القضايا الجوهرية في الصراع إلى ما سمته المرحلة النهائية؟ وماذا أبقت المنظمة للضغط على إسرائيل في مفاوضات الحل النهائي؟ أو حتى للقبول بالجلوس على طاولة المفاوضات بعد ان كانت غاية المنى عند الإسرائيليين الجلوس على هذه الطاولة، قبل ان يفرط العرب بكل أوراقهم بدون مقابل، كل ذلك حققته المفاوضات والجهود الدبلوماسية لإسرائيل بعد ان عجزت الأسلحة عن تحقيقه. وهو بالضبط ما تسعى إليه الآن بعد عدوانها على غزة من خلال مطالبتها بنزع سلاح المقاومة، وهو السلاح الذي لم تتمكن من نزعه أو حتى شلّ قدرته في المعركة العسكرية، فصارت تسعى لتحقيق ذلك عبر طاولة المفاوضات مثلما حدث في مرات سابقة. وهو الأمر الذي أعلنت مقاومة غزة رفضها القاطع له، وهو ما نتمنى ان تظل ثابتة عليه فتكون غزة ومقاومتها قد تعلمت الدرس من الذين سبقوها على طريق المفاوضات.
(الرأي)