التعديلات الدستورية بين الشكل والمضمون .. *د.غازي العودات
19-08-2014 04:01 AM
حماية حدود الوطن واستقلاله وسلامة أراضيه وصون وحدة المجتمع والدفاع عن مصالحه العليا هي الاهداف الكبرى للدولة والتي لا بد لتحقيقها من قوة عامة تتمثل بصورة أساسية في الجيش.
ومن هنا كانت مسألة الرقابة الديمقراطية على مؤسسة الجيش الذي هو في خدمة الامة مثيرة لكثير من الجدل. فكان تفعيل هذه الرقابة عن طريق وزارة الدفاع والتي تمثل تجسيداً ديمقراطياً لخضوع المؤسسة العسكرية للرقابة المدنية.
في الاردن كان الهيكل التنظيمي للدفاع يعتمد على رئيس الاركان الذي يقوم عملياً بمهام وزارة الدفاع الى ان اعلن مؤخرا في الرسالة الملكية إلى رئيس الحكومة عن توجه لتفعيل وزارة الدفاع وتحديد مهامها بالإضافة إلى قيام مجلس الوزراء بإعداد مشروع لتعديل بعض مواد الدستور تتعلق بتعيين قائد الجيش ومدير المخابرات العامة سيقدم إلى مجلس الأمة لمناقشته في دورته الاستثنائية الحالية.
وتظهر اهمية هذه التعديلات بتفرغ الجيش للقضايا الاحترافية والدفاع عن الوطن ورفع كفاءته وجاهزيتة وترك ما سوى ذلك من الامور اللوجستية والمالية الى وزارة الدفاع. ونرى أن هذا من الامور المحمودة والتي تسهم في بناء مؤسسي لهيكل الدولة الاردنية بكافة اجهزتها. وأن دور وزارة الدفاع تجاه الجيش يشبه الى حد بعيد دور وزارة العدل تجاه الجهاز القضائي، فكما أن هناك استقلالية للسلطة القضائية في اعمالها يجب ان يكون هناك استقلالية للجيش عن السياسة وقراراتها بحيث تكون قرارات الجيش في مصلحة القضايا الوطنية العليا وليس مصلحة فئوية او حزبية. والاهمية الاخرى أن وجود دور مستقل لوزارة الدفاع عن الجيش سيمكن البرلمان من مناقشة ميزانية الدفاع وإقرارها ومراقبة تنفيذها وبالتالي هو تكريس لمبدأ الشفافية والمساءلة فيما يتعلق بالمال العام.
من ناحية أخرى، جاءت التعديلات الدستورية المتعلقة بتعيين قائد الجيش ومدير المخابرات مبتسرة غير ناضجة إذ أخذت من تجارب الدول الاخرى جزءاً واهملت الفكرة الكلية فهو اخراج سيء لقصة جميلة شخوصها أبطال ومغزاها نبيل. فمن الناحية الشكلية نجد ان التعبير والكلمات المستخدمة غريبة عن الدستور الاردني، فالنص المقترح استخدم "يعين قائد الجيش ومدير المخابرات بقرار من الملك" فكلمة قرار لم تستخدم مطلقاً في الدستور في معرض ممارسة الملك لصلاحياتة إذ يكون ذلك بموجب ارادة ملكية، وحيث ان المادة المقدمة للتعديل هي استثناء عن الاصل –أي المادة (40) من الدستور والتي تتحدث عن الارادة الملكية- فلا بد من استخدام نفس التعبير "ارادة ملكية" بمعنى انها ارادة ملكية منفردة صادرة من لدن الملك مباشرة ونافذة بذاتها ودون حاجة لأي إجراء آخر. كما يلاحظ أن تعبير "قائد الجيش" غير مستخدم في قانون القوات المسلحة وانما التعبير المستخدم هو رئيس هيئة الاركان الذي يكون قائداً عاماً للقوات المسلحة، فما هي الاسباب الموجبة لتغيير التسمية؟
نجد من التعديلات المقترحة أيضاً بان الحكومة هي الحلقة الاضعف، اذ ان السلطة التشريعية بيدها مناقشة واقرار ميزانية الدفاع والرقابة على تنفيذها بينما لا نجد أي دور للسلطة التنفيذية. فالحكومة بصفتها صاحبة الولاية العامة مسؤولة عن وضع السياسة الدفاعية ومسؤولة عن تنفيذها تحت رقابة البرلمان، والسؤال الذي يثور الى اي مدى من الناحية العملية سيكون للحكومة دور في وضع هذه السياسة؟ وما هي الآلية التي تستند لها هذه التعديلات الدستورية لوضع السياسة الدفاعية للبلاد؟ وهل للبرلمان سلطة في مراقبة اعمال "قائد الجيش" ومدير المخابرات طالما ان تعيينهم قد تم من قبل الملك؟ وهل يكون رئيس الوزراء مسؤولاً عن اعمالهم وسياساتهم امام البرلمان باعتبارهم في نهاية الامر جزء من السلطة التنفيذية؟ لم تجب التعديلات المقترحة على هذه التساؤلات. وبالنظر الى تجارب دول أخرى كالمغرب مثلاً نجد في الفصلين 53 و54 من الدستور المغربي - وفرنسا من قبلها في المادة 15 من دستورها- أنها قد انشأت مجلس للدفاع والامن القومي، بمعنى ان هناك مأسسة للاستراتيجية الدفاعية حتى لو كانت استشارية، لكنها تنسب للملك مباشرة ويكون من ضمن اعضائها رئيس الوزراء والوزراء المعنيين.
هذا يعني ان ينص الدستور على تكوين مجلس للدفاع يعنى برسم السياسة الدفاعية وتنفيذها وتعيين اشخاصها.
وهذا الحل موجود في المادة 10 من قانون القوات المسلحة فما المانع من دسترة هذا المجلس وتوسيع صلاحياته وتكون قراراته قابلة للتصديق من القائد الاعلى اي الملك بحيث تبقى الحكومة في موضع القرار والمحاسبة ونحافظ على بنية الدستور القائم على الفصل بين السلطات والملك. فالممارسات الديمقراطية المؤسسية يجب ان تمر عبر قنوات واضحة ذات صلاحيات محدودة في القانون وخاضعة للمسائلة.