يُظهر التقرير نصف السنوي لدائرة الأراضي والأملاك في دبي، تصدّر الأردنيين قائمة المستثمرين العرب في القطاع العقاري في الإمارة، من حيث القيمة للنصف الأول من العام 2014.
بحسب الأرقام، استثمر 640 أردنياً في السوق العقارية للإمارة، بقيمة 1.347 مليار درهم إماراتي (أو ما يعادل قرابة 260 مليون دينار أردني)، تلاهم اللبنانيون، وبقيمة 1.235 مليار درهم، في حين حل المصريون في المرتبة الثالثة، باستثمارات قدرها مليار درهم.
كذلك، تكشف بيانات إدارة سوق دبي المالي أن الأردنيين هم أكثر الجنسيات الأجنبية استثمارا في السوق خلال العام 2013، بما قيمته 23.9 مليار درهم، أو 4.6 مليار دينار أردني.
وإذا كانت هذه الأرقام تتعلق باستثمارات العقار والسوق المالي في دبي تحديداً، فلا بد أن لدى الأردنيين نشاطات استثمارية أخرى في دولة الإمارات العربية عموماً. أما إذا حاولنا تقدير حجم الأموال الأردنية المستثمرة في الخارج ككل، فسنكتشف حتماً أن مليارات أردنية كثيرة تفضل العمل في بلدان كثيرة، على العودة ولو جزئيا للوطن. وربما يرتبط ذلك بأسباب شخصية، ما يجعله أمرا طبيعيا ومقبولا. بيد أن الخطير هو حجم الأموال الضخم الذي هاجر خلال السنوات الماضية، وضعف استقطاب أخرى تقابلها، بسبب البيئة الاستثمارية الطاردة، وعدم استقرار التشريعات، لاسيما المتعلقة بالضريبة التي لم يثبت قانونها لسنوات، كما عدم وجود قانون استثمار دائم ينظّم العملية، ويطمئِن أصحاب الأموال على مشاريعهم.
الوضع القائم بحاجة إلى دراسة، خصوصا أن الجهود المبذولة لإعادة توطين جزء من الأموال الأردنية المهاجرة تُواجَه بالبيروقراطية العقيمة، التي لم تتمكن الحكومة من الحد منها، ناهيك عن اجتثاثها تماماً. وثمة قصص كثيرة سمعناها من أردنيين عادوا للوطن، لكنهم آثروا الرحيل مجددا بعد أن سُدت أبواب الاستثمار في وجوههم.
أيضا، لعبت التصريحات الرسمية المتضاربة دورا في كبح جماح المستثمرين؛ إذ كيف يُنتظر من صاحب مالٍ المغامرة في بلد "اقتصاده بائس"، و"عملته مهددة"؟! هذا النوع من التصريحات يعقّد مهمة تحسين المزاج العام، وإغراء مجتمع الأعمال بالاستثمار في الأردن.
فلا بد من التوقف عن إطلاق هكذا تصريحات، تستخدم الاقتصاد وسيلة بيد الحكومة لتمرير قراراتها، كما حدث إبان فترة قرار تحرير أسعار المحروقات، واليوم أيضا، للتهرب من الاستجابة لمطالب المعلمين.
أيضا على الحكومة، وبشكل مستعجل، إعادة النظر في التشريعات التي تنظّم عمل السوق المالي، بما يسهّل دخول الصناديق الاستثمارية الضخمة للعمل في سوق عمان المالي. فنحن في العام 2014، ولا يوجد سوى ثلاثة صناديق استثمارية تعمل في هذا السوق.
وإحداث فرق يتطلب تعديل قانون هيئة الأوراق المالية لجذب مثل هذه الصناديق، إلى جانب وضع قوانين عصرية تخدم مثل هذه الفكرة، منها قانون تداول المؤشرات، لتساعد على توسيع حجم الاستثمار في البورصة.
أما العقار، فيحتاج إلى إعادة نظر في الإجراءات التي تنظّم عملية التملك؛ ومحاولة استعادة الثقة بفكرة التطوير العقاري التي فقدت بريقها في الأردن نتيجة عدد من التجارب الفاشلة، وأبراج الدوار السادس دليل صارخ عليها.
المشكلة الأكبر تبدو في الافتقار إلى خطة شاملة تضم جميع المؤسسات المعنية تحت سقف واحد، وضمن هدف محدد؛ فتجد قرار البنك المركزي بتخفيض أسعار الفائدة ثلاث مرات ضعيف التأثير في توفير سيولة إضافية لضخّها في القطاعين السابقين اللذين يلعبان دورا كبيرا في تحفيز النمو وتحريك عجلة الاقتصاد، نتيجة غياب التنسيق والتكامل.
هجرة الأموال الأردنية، أو ضعف القدرة على استعادتها، ناهيك عن ارتفاع قيمة الودائع في البنوك، هي نتائج لبيئة طاردة للاستثمار، إذ يعتبر القطاع الخاص عدوا لدودا للسلطة التشريعية، والتنفيذية أيضا، كما يقول رجل أعمال يشغّل أمواله في استثمارات وطنية.
(الغد)