أولئك الذين يظنون ان من حقهم باسم الحرية والتعبير عن الرأي، هتك حرمة البلد، وتخريبه اخلاقيا، عليهم ان يتوقفوا، إذ أنهم جند لمن يريدون اعادة انتاج البلد، وشطب هويته.
هذا بلد عربي و مسلم، له خصوصيته، غربه الاقصى، وجنوبه الكعبة، أرضه مقدسة، أرض الأنبياء والشهداء، لكننا نراه يتعرض للاختطاف، مرات ومرات، والذين يحاولون اختطافه، يعتقدون ان من حقهم هذا، لاننا لانفهم الدنيا، وهم يفهمونها، وفقا لرؤية عصرية.
من مهرجان الالوان العبثي، الذي يؤشر على الضياع والفراغ النفسي، وصولا الى مهرجان البيجاما الملغى، الذي كان يفترض مشاركة كثيرين بملابس النوم، مرورا بهذه الاعداد من النوادي الليلية، والسياحة غير العائلية، او غير الاخلاقية بشكل أدق، وصولا الى كل قصص عبدة الشيطان، وفوضى الانترنت العارمة، ومايجري هنا وهناك، باسم الحريات الشخصية، امر لايمكن احتماله ابداً، ولا السكوت عليه ايضاً.
البلد بحاجة الى «هبة اجتماعية» لتنقيته من كل هذه المشاكل، فنسبة استهلاك الكحول من اعلى النسب، والمخدرات الرخيصة تغزو المدن والقرى والبوادي والمخيمات، وبعض حبوبها يباع بربع دينار، وكأنها مخدرات مدعومة وممولة، والجريمة والعنف والعصبية في كل مكان.
قلنا مراراً ان الفقر ملعون، يسرق الناس، من حاضناتهم الاخلاقية، فوق استعداد الاخرين حتى بدون فقر، لهكذا تحولات، والقادم اسوأ.
إذ تحلل المشهد بعمق، يهلع قلبك، فكل مئات الالاف الذي يغلقون شوارع البلد، كل صلاة جمعة، لادور لهم، لاحقا، وكأن الصلاة هنا، بلا روح، وكل مناهج التعليم والاعلام والمنابر، لاتقدم رسالة اخلاقية روحية، تصد كل هذه الهجمات.
في الربيع العربي كنا نقول اننا نريد حراكاً لغايات اجتماعية، لوقف التدهور ، وكان يقال لنا اننا نتعمد اطالة اللسان على الحراك السياسي، لتشويه سمعته ودوافعه، لكننا كنا صادقين، فالقاعدة الاجتماعية مصابة بالهشاشة، وتضعف يوما بعد يوم، وكان لابد من صيانتها، قبل الكلام عن حق الانتخاب، وان كنا لاننكر اهمية هذا الحق، في التغيير الاجتماعي.
الموضة اليوم، اتهام من يدعو لرد المجتمع الى عافيته و قواعده الاجتماعية، تقول انه رجعي ومتخلف، ولايفهم العصر. حسنا.قولوا لنا ماهي مواصفات العصر الذي تريدونه، حتى نقول لكم، الفرق بين هوية البلد، وهوية اهله، والهوية الاجتماعية الممسوخة التي يراد اخذنا اليها؟!.
لابد من رأي عام ضد اي مسخ للهوية الاجتماعية الدينية، ولابد من مبادرين وشجعان يقفون في وجه اي مبادرات ليست على صلة بنا، فالكل ينتظر من الكل ان يتحرك، وكل فرد منا، يفترض ان الواجب على فرد آخر، والنتيجة ان المنكر لايتم رفعه، حتى بحدوده الدنيا، اي الكلمة، حتى لانطالب اليوم، بحد اعلى.
تكتشف الخلط القبيح في الهويات الاجتماعية بشكل فاضح، وكأننا مُجّمع لهويات وشعوب واتجاهات، وانت لاترى هذه الحالة في دول اخرى، اذ كيف يمكن مزج كل هذه الهويات الاجتماعية بجذورها الفكرية، واتجاهاتها، في خزان واحد؟!.
يقولون لك إن هذه حريات عامة، وتارة حريات شخصية، لكن قلبك يأبى الكلام، لانك ترى ارضا مباركة، لها سرها، ودورها، وقدرها، لم يتمكنوا من جرها الى حروب أهلية، والى صراعات دموية، فأستبدلوا الامر، بالتسلل الى الداخل، واضعافه اقتصاديا وتغييره اجتماعيا، وتحويله الى مجتمع جديد، تجمع سكاني دون قواعد ضابطة، حتى لايشكل خطرا على احد، خصوصا، اولئك الذين غدروا بكل شعوب جوار الاحتلال الاسرائيلي، واحدا تلو الاخر، بوسائل مختلفة، حتى يرتاح هذا الاحتلال.
ثم اننا لانريد تعصبا ولاتطرفا، كل مانريده احترام هوية البلد، والناس، ودينهم، ووقف كل هذه الرماح التي تتطاير طعنا في ظهره، من أجل جعله بلدا بلا عنوان، وشعبا بلا خطوط حمراء حقيقية، كنا نعرفها دوما، وهي سر تماسكنا وصورتنا الاساس، مع رضى الله اولا.
ثم يأتيك بعضهم ليقول لك، ان ليس من حقك التدخل في غيرك، ومس حياتهم وفرحهم، لكنك لاتعرف اذا ماكان من حق القلة ايضا، اختطاف الاغلبية الى طريقتها في الحياة.
هذا اختطاف خطير، ومكلف، وسنرى كلفته آجلا ام عاجلا، واذا كنا مستنيرين لانريد تعصبا ولاتطرفا، فهذا لايعني ان نسكت على هذه الجاهلية الجديدة.
لو كنا نحبه حقاً، ونخاف على انفسنا ايضاً، لما تركناه عرضة الاختطاف..هذه هي الخلاصة!.
(الدستور)