الملك يطالب(أمريكا) بتحقيق الحريات الأربع
محمود الداوود
08-03-2007 02:00 AM
عبد الله الثاني يلقي خطاب(العرب) أمام الكونجرس الأمريكي
جلالة الملك يطالب(أمريكا) بتحقيق الحريات الأربع لشعوب الشرق الأوسط
-كما تعهد بها روزفلت-جاء خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين أمام الكونجرس بمجلسيه رسالة سلام إنسانية هامة سيذكرها التاريخ لأنها حملت رسالة الشعوب الراغبة في تحقيق العدالة والسلام في العالم.
خطاب جلالة الملك كان خطاب العرب وخطاب شعوب العالم المغلوب على أمرها التي انكوت بنار الكراهية والحقد والعنصرية والحروب والدمار والقتل دون أسباب.
كان خطاب جلالته رسالة سلام للشرق الأوسط، حملت معها كل المعاني الإنسانية النبيلة ، وكان خطابا ملكيا راقيا ساميا ينفذ إلى القلوب والعقول والوجدان.
جلالة الملك تحدث عن فلسطين وعن سلام فلسطيني إسرائيلي قابل للتحقيق، ولم ينس شعوب العالم فطالب بالعد والمساواة والأمن والاستقرار من اجل التنمية ومن اجل الأجيال القادمة، خطاب جلالته فيه عمق وبلاغة و(استدراج) للعواطف و(استمالة) للعقول النيرة..
خطاب عبد الله الثاني كان كلاما لا بد منه إذ في مثل هذا الموقف (لا نستطيع التزام الصمت)-كما قال جلالته-
لقد دعا جلالته إلى سلام (يمكن المنطقة بمجملها من أن تتطلع إلى الأمام بتشوق وأمل لتضع مواردها من اجل النمو المثمر وعقد الشراكات عبر الحدود لتحقيق المزيد من التنمية وإيجاد الفرص والبحث عن حلول للتحديات المشتركة).
بدأ خطاب جلالته بتمهيد استند إلى أربع نقاط رئيسية:
1- العلاقة الوطيدة بين الأردن وأمريكا حين قال جلالته(يشرفني أن أقف كما وقف والدي من قبل أمام هذا الصرح التاريخي).. وربطه بقوله(إن الأردن والولايات المتحدة الأمريكية يرتبطان بعلاقة صداقة طويلة)، وهذا يظهر ما للأردن من أهمية في القدرة على إيصال وجهة النظر الأردنية للدولة الأكبر في العالم منذ سنوات وليس هذا التمييز الأردني وليد اللحظة إنما يشهد به التاريخ.
2- الخلق الملكي في منح المضيف كلمات ذات مغزى حين أشار جلالته إلى وجود امرأة رئيسة للكونجرس، والى وجود عضو أمريكي مسلم، وهذا معناه كما قال جلالته في غزل ملكي راق (أمريكا المكان التي تحترم فردية الإنسان.. ويكرم فيه الانجاز)، وملاطفة المجلس حين قال جلالته تمهيدا لبدء خطابه انه تعلم شيئا عن فضائل نيو انجلند حيث لم يكن هناك قانون ضد كثرة الكلام ولكن القاعدة السائدة هي ألا تتكلم إلا إذا كان كلامك أفضل من الصمت.. وتأكيد جلالته(اليوم علي أن أتكلم فلا استطيع التزام الصمت)، للفت الانتباه(بقوة) لمحور حديث جلالته.
3- بدأ جلالته بتوجيه القضية باتجاه الشعب الأمريكي بقوله(علي أن أتكلم عن قضية ملحة لشعبكم ولشعبي) هذا التقديم الذكي يبين أهمية السلام للشعب الأمريكي لأنه هو أول المتضررين من استمرار الوضع السيئ الحالي في الشرق الأوسط، لان يحل السلام(محل الفرقة).
4- التذكير بما جرى في معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية والحديث وقتها عن الأمل ببزوغ شمس حقبة جديدة، وربط ذلك بالحاضر بقول جلالته(سنظل جميعا معرضين للخطر حتى ننجز هذا العمل).. وربط هذا الخطر بالعنف الناجم عن أيديولوجيات الإرهاب والكراهية وان (منطقتنا) و(بلادكم) و(العالم) معرضون لهذه المخاطر.. وأما المسؤولية فهي(الخيار في ذلك لنا).. (فإما عالم منفتح ملؤه الأمل والتقدم والعدالة للجميع.. أو عالم منغلق شعوبه منقسمة..).
فرصة تاريخية
ثم انتقل جلالته للتأكيد على أن الفرصة الآن تاريخية لوجود إرادة دولية جديدة لوضع حد لهذه الكارثة:
أ) الحديث عن دور مهم لأمريكا في لعب دور مركزي في هذا الشأن.
ب) الحديث عن المشاكل في الشرق الأوسط : الفلسطينيون والإسرائيليون، العنف الذي دمر لبنان الصيف الماضي، إرهاب المتطرفين الذي أوقع العديد من الضحايا بسبب النزاع في الشرق الأوسط.. ووجه جلالته سؤالا يدغدغ ضمائر المستمعين له بقوله(والسؤال هو: هل سنترك حياة الآلاف تستلب دون جدوى؟).. وربط ذلك مباشرة بحقوق الإنسان (الحق في الحياة).
ت) الحديث عن التدخلات الخارجية في الأزمات الإقليمية والتي تتمثل في (إحداث الأزمات وانتشارها)، وخطورة ذلك على (مستقبل الاعتدال).
ث) الدعوة لسلام يعم العالم (بحيث تحظى جميع الشعوب، لا بعضها، بالفرصة لتعيش بسلام).. وهذا(أمر أساسي لمستقبل العالم).
قضايا محورية
ثم انتقل جلالته للحديث عن العراق داعيا المجتمع الدولي أن يتخذ قرارات أساسية رئيسية حول مسار التقدم إلى الأمام وكيفية (ضمان امن العراق ووحدته ومستقبله).. وربط ما يجري في العراق بما يجري في فلسطين أيضا(مصدر الانقسام الإقليمي ومصدر الحقد والإحباط ابعد من ذلك، فاصل المشكلة هو إنكار العدالة والسلام في فلسطين).
وشدد جلالته وأكد على:
- القضية المحورية لها علاقة مباشرة بالانقسامات والكراهية السائدة في عالمنا، والمرتبطة بأمن جميع البلدان واستقرار اقتصادنا العالمي يتأثران بصورة مباشرة بالنزاع في الشرق الأوسط.
- نقل جلالته رسالة الشعوب إلى (الغرب) وحول ما إذا كان(الغرب يعني فعلا ما يقوله عن المساواة والاحترام والعدالة الشاملة).
- الحديث مرة أخرى عن دور أمريكي يرتبط بـ(العلاقة الأمريكية الشرق أوسطية..) وبإعادة (البسمة إلى الناس في منطقتنا، والى الناس في بلادكم) و(العالم)، وصورة أمريكا الأخلاقية، التواصل مع شباب العالم، والتشديد على أن يكون هذا الدور(هذا العام).
المجازفة من اجل السلام
استخدم جلالته عبارة المجازفة من اجل السلام وفي ذلك تعبير واضح من جلالته على أهمية السلام رغم تخوف البعض من الولوج فيه.. مستطردا جلالته (وقد أدركت الدول العربية تلك الحقيقة عام 2002 عندما وافقنا بالإجماع على مبادرة السلام العربية) لرمي الكرة في ساحة الطرف الآخر فالطرف العربي ليس عقبة في وجه السلام.. وان هذا الالتزام العربي(حقيقي)، وربط ذلك مباشرة بـ:
- إنهاء الصراع في المنطقة وضمانات أمنية(الحلم الذي تاق إليه كل إسرائيلي).
- التوصل إلى تسوية لحل قضية اللاجئين.
- الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 67.
- قيام دولة فلسطين المستقلة والقابلة للحياة وذات السيادة.
جهود أخرى
كان جلالة الملك منصفا حين أعطى لأصحاب المبادرات والجهود الطيبة من اجل السلام حقهم في ذكر مواقفهم من خلال:
- موقف خادم الحرمين الشريفين وصاحب المبادرة العربية.
- موقف وزراء خارجية الدول الإسلامية الرئيسية في دعمهم لجهود صنع السلام.
شكل السلام
وتطرق جلالته إلى شكل السلام المنشود ولخص ذلك بقوله:
- ( يجب أن يكون سلاما يجعل إسرائيل جزءا من دول الجوار).
- ( يجب أن يكون سلاما يمكن المنطقة بمجملها من أن تتطلع إلى الأمام).. (لتحقيق المزيد من التنمية، وإيجاد الفرق، والبحث عن حلول للتحديات المشتركة).
مؤكدا جلالته أن الهدف هو رؤيا قابلة للتحقيق.. مذكرا بما حدث في (طابا)، في صياغة علاقات جديدة تقوم على السلام والتعاون.
دور أمريكي
وعاد جلالته للحديث عن دور أمريكي مذكرا أن الولايات المتحدة حين كانت تتدخل مباشرة كان هناك تقدم نحو السلام مذكرا جلالته بما جرى في: كامب ديفيد، مدريد، واي ريفر.. خاصة أن (الناس في المنطقة ما زالوا ينظرون للولايات المتحدة الأمريكية بأنها مفتاح السلام).
وطلب جلالته باسم(جميع اؤلئك الذين يسعون لتحقيق السلام..) أن(تمارسوا هذه القيادة مرة ثانية)-قيادة عملية السلام-.
دور أردني
وأكد جلالته على الدور الأردني في السلام بما يلي:
(الأردن ملتزم بالقيام بدور ايجابي في العملية السلمية..).. (فبلدنا بلد إسلامي يعتز بسجله في التنوع والاعتدال والاحترام المتبادل).
الحريات الأربع
وذكر جلالته أعضاء الكونجرس بتعهد روزفلت أمام الكونجرس حول أسس سياسة أمريكا الخارجية بتقديم الدعم الأمريكي للحريات الأربع(الحرية من الخوف، الحرية من الحاجة، حرية التعبير، حرية الدين في كل مكان) وطالب بتحقيق هذه الحريات الأربعة في الشرق الأوسط.
وذكر جلالته أن مشكلة الشرق الأوسط واجهت 11 رئيسا أمريكيا و30 مجلسا من مجالس الكونجرس والأزمة متواصلة دون انقطاع.. لذلك يجب العمل كي(لا يجد أي أب فلسطيني نفسه عاجزا عن إطعام أسرته وبناء مستقبل لأبنائه وبناته، ويجب ألا تخاف أي أم إسرائيلية عندما يصعد طفلها إلى الحافلة ويجب أن لا يترعرع جيل آخر وهو يعتقد أن العنف والنزاع هما طبيعة الحياة).
وحدد جلالته ما يجب فعله بقوله:
- يجب أن نعمل معا لاستعادة فلسطين، بلد يغرق في اليأس دون بارقة أمل.
- يجب أن نعمل معا لاستعادة السلام والأمل والفرص للشعب الفلسطيني.
- لا لمزيد من سفك الدماء، لا لمزيد من الموت بدون جدوى.
إنسانية السلام
ولخص جلالة الملك في ختام خطابه التاريخي فكرة السلام بشكلها الأعم والأشمل، فأظهر السلام بصورته الإنسانية العظيمة بقوله:
- (الصبي الصغير الذي يذهب إلى المدرسة مع أخيه في فلسطين.. دعه ينعم بالسلام).
- (الأم التي ترقب بخوف أولادها وهم يصعدون إلى الحافلة في إسرائيل دعوها تنعم بالسلام).
- (الأب في لبنان الذي يعمل بجد لتوفير التعليم لأطفاله دعه ينعم بالسلام).
- الفتاة الصغيرة التي ولدت في العراق وعيناها الواسعتان مليئتان بالدهشة دعوها تنعم بالسلام).
- (الأسرة التي تتناول معا وجبة العشاء في آسيا وأفريقيا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وأوروبا واستراليا والشرق الأوسط دعوها تنعم بالسلام).
هذا الخطاب الملكي التاريخي النادر ليس رسالة سلام فحسب، إنما رسالة الإسلام والإنسانية والمنطق وشعوب العالم لـ(صناع القرار) في العالم، ألقاه جلالته بين يدي أعضاء الكونجرس، ليستمع إليه العالم، فكان خطاب البلاغة والوضوح، والفرصة التاريخية التي قد لا تتكرر لزعيم يتحدث عن السلام كما تحدث جلالته، فهل يعي العالم ذلك؟ وهل يعمل (صناع القرار) في واشنطن من اجل السلام في العالم، وهم القادرون على ذلك إن أرادوا؟ فهذه دعوة السلام قد بلغت.. فهل من مستجيب؟