من بين الحديث الطويل لرئيس الوزراء د. عبدالله النسور وعدد من الوزراء، في المؤتمر الصحفي أول من أمس، لم يعلق في ذهن المتابعين والمراقبين، ولم يتصدر نشرات الأخبار في العديد من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، سوى عبارة واحدة أو عبارتين؛ "الاقتصاد الأردني في أسوأ وضع في تاريخه"، "الوضع المالي للدولة بائس".
ليس مهما إن كانت هذه الخلاصات الإعلامية قد انتزعت من سياقها أم لا؛ المهم الفكرة التي رسخت في الأذهان. وسوى ذلك من تفاصيل عن الخطة العشرية لتحفيز الاقتصاد الوطني، وباقة التحديات التي تواجه الأردن، توارت خلف العبارات المفزعة.
مفزعة، لأنها تعطي الانطباع بأن الاقتصاد على شفا الانهيار. وما علينا سوى مراقبة الآثار التي ستتركها هذه التصريحات على حركة العملات ومكانة الدينار بينها، في موقف يذكر بتصريحات مشابهة لرئيس الوزراء قبيل رفع الدعم عن المشتقات النفطية.
وفي تعليقات المواطنين على تصريحات الرئيس ما يثير الانتباه لما يمكن وصفه بالتناقض العجيب في مواقف الحكومة؛ فقبل أيام ليست بالبعيدة، صرح
د. النسور بما يفيد أن الاقتصاد الأردني يتعافى، لا بل قال إنه تجاوز عنق الزجاجة. وأسهب في عرض عناصر قوته مستندا لجملة من الأرقام عن الاحتياطي من العملات الأجنبية، ونسب النمو المتوقعة، وغيرها من المؤشرات الإيجابية.
واضح أن رئيس الوزراء تعمد المبالغة في وصف حال الاقتصاد وأوضاع المالية العامة للدولة، ليبرر رفض حكومته لمطالب نقابة المعلمين التي بدأت إضرابا مفتوحا أمس. لكن د. النسور لم يلتفت لخطورة حديثه، والآثار السلبية التي سيخلفها على قطاعات أخرى.
ولم يتنبه رئيس الوزراء إلى أن مضمون حديثه ينطوي على إدانة مباشرة لسياسات حكومته، وقد علق مواطنون باستنكار: أوليست حكومته "حكومة النسور" هي المسؤولة عن ذلك الوضع البائس؟! وقال أحدهم: رئيس الوزراء قال لنا من قبل إن الأمور تحسنت بعد تخفيف الدعم وضبط النفقات، واليوم يقول إن الوضع بائس وخطير، أي تصريح نصدقه الأول أم الثاني؟!
الحقيقة أن تصريحات الحكومة بشأن الوضع الاقتصادي تضعنا جميعا في حيرة. الأرقام متناقضة، والمؤشرات متفاوتة؛ وما نسمعه اليوم نسمع خلافه غدا، ليس في المجالين المالي والنقدي، بل في الأرقام المتعلقة بأعداد اللاجئين السوريين وغيرهم من الجنسيات، وحجم المساعدات الأجنبية. الرقم الوحيد المؤكد أمامنا هو قيمة المديونية التي كسرت ما سجل من أرقام قياسية في الماضي، وحلقت إلى معدلات غير مسبوقة في تاريخ الأردن.
هل هذا مؤشر خطورة أم لا؟ ثمة مدارس تنظر إلى الأمر بطرق شتى. منها من ترى المديونية خطرا عظيما يستنزف الموارد، وغيرها تعتقد أنها شر لا بد منه يمكن للدول، كبرت أم صغرت، التعايش معه على المدى الطويل.
لم يعد هناك ساسة في الدولة المتقدمة يتحدثون لوسائل الإعلام هكذا من دون تحضير مسبق ومكتوب. حتى الأسئلة يجري توقعها قبل أي مؤتمر صحفي، وإعداد إجاباتها مسبقا. في بلادنا، يبالغ المسؤول بالاعتماد على مهاراته الفردية، وتتحول مؤتمراته الصحفية إلى مهرجان خطابي، يسهب بالحديث فيه فيسقط في الفخ.
(الغد)