عن "قمة دمشق" وأزمة العلاقات السورية - السعودية
عريب الرنتاوي
16-03-2008 02:00 AM
في زمن غير هذه الأزمنة، كانت الدبلوماسية السورية تلعب دور الوسيط بين "إيران الثورة الإسلامية" من جهة، و"دول الخليج العربية" من جهة ثانية، أما اليوم، وبعد تبدل المواقع والمواقف والأدوار، بعد تبدل أوزان القوى واصطفافاتها، بعد خروج العواصم العربية عن "قواعد اللعبة"، سواء في علاقاتها البينية أو في علاقاتها مع الأطراف الإقليمية والدولية، فقد أصبحت الدبلوماسية الإيرانية تلعب دور الوسيط بين الرياض ودمشق، ويقوم رئيسها منو شهر متكي بزيارات وجولات لهذه الغاية، تجمعه حينا مع سعود الفيصل في مطار القاهرة، وحينا أخرى مع الوزراء الثلاثة: المعلم وبن علوي وحمد على مقربة من مطار دمشق، وها هو يعاود الكرة مع الوزير السعودي في دكار، على هامش القمة الإسلامية.
قواعد اللعبة بين الرياض ودمشق، انتهكت على نطاق واسع، ومن طرفي المعادلة الثنائية، سوريا ذهبت بعيدا في انتقادها غير المألوف لأداء السياسة السعودية، وفي محاولاتها إضعاف نفوذ الرياض في لبنان، والسعودية آثرت اعتماد قاعدة "رد الصاع صاعين"، بدل العمل بقاعدة "العين بالعين والسن بالسن"، أو نظرية "لكل فعل رد فعل مساو له بالمقدار ومعاكس له في الاتجاه"، فهي تستقبل "المعارضات" السورية السنية والعلوية والعائلية، وتقيم معها علاقات علنية في رحاب مكة المكرمة، وهذا فعل غير مألوف أيضا، وهي سعت في تجيّش الدول العربية المعتدلة خلف قراءتها هي بالذات للمبادرة العربية حول لبنان، وهي تقف على حافة "تدويل" الأزمة اللبنانية، وثمة مخاوف لدى دمشق، من أن تكون الخطوة السعودية التالية هي نقل الاستحقاق الرئاسي إلى مجلس الأمن، وانتخاب رئيس للبنان تحت الفصل السابع.
الرياض التي دعمت المحكمة الدولية بشأن جريمة اغتيال الرئيس الحريري وموّلتها، ترى أن سوريا هي البادئ في فتح صفحة العداء معها، وهي تعتقد أن جريمة 14 شباط 2005، كانت موجهة لاغتيال دورها في لبنان، وهي تحمّل القيادة السورية – أو بعض أركانها - مسؤولية الفعلة النكراء، ولسان حالها يقول "البادئ أظلم"، وزاد الطين بلة، خطاب "أنصاف الرجال وأنصاف المواقف" الذي أطلقه الأسد بعد حرب تموز – آب 2006، والذي رأت الرياض أنه يستهدفها من ضمن آخرين، بدلالة أن كثير من التقارير التي تسربت إثر زيارات وفود لبنانية إلى المملكة مؤخرا، تحدثت عن تعهدات قطعها قادة سعوديون كبار أمام ضيوفهم اللبنانيين بأن "يظهروا لدمشق ما الذي بمقدور أنصاف الرجال أن يفعلوه ؟!"
الرياض ودمشق، تتخندقان في معسكرين متقابلين، وهذا أمر واضح ومفهوم، الأولى تقود معسكر الاعتدال العربي، والثانية تندرج في معسكر "الممانعة/المقاومة" أو "محور الشر"، وثمة ما يشير إلى خلافات واسعة بين العاصمتين العربيتين حول مختلف ملفات المنطقة وعناوينها، لكن المفارقة الأولى، الغريبة العجيبة هي أن الرياض التي تحتفظ بأسوأ العلاقات مع "عضو في هذا المحور"، تحتفظ بعلاقات نامية ومتطورة مع "زعيمة هذا المحور وقائدته"، فهي دعت الرئيس الإيراني إلى زيارة مكة المكرمة، وحضرت معه قمة الدوحة الثامنة والعشرين لقادة مجلس التعاون الخليجي، ووقعت مع بلاده مبكرا، معاهدة أمنية بالغة الأهمية.
أما المفارقة الثانية، فتتمثل في كون الرياض ليست وحدها من تقف على مسافة بعيدة من دمشق، فهناك عواصم عربية أخرى تحتفظ بمواقف مختلفة عن المواقف السورية حيال مختلف ملفات المنطقة وأزماتها المفتوحة، وهي تندرج بدورها في سياقات "الاعتدال العربي"، بيد أن علاقات مع سوريا مع هذه العواصم، لم تنحدر إلى المنزلق الذي آلت إليه العلاقات السورية - السعودية، فهل للمسألة علاقة بالجنسية والولاء السعوديين لرئيس الوزراء الشهيد رفيق الحريري، أم أن الصراع السعودي – السوري "تشخصن" وخرج عن قواعد الدبلوماسية والعقلانية، ليدخل في منطق (لا منطق) الصراعات والثارات القبلية وسيرة داحس والغبراء.
أيا يكن من أمر، فإن المراقب لأداء الدبلوماسيتين السورية والسعودية حول الاستحقاق الرئاسي والقمة العربية، يلحظ أن السعودية أخفقت في تحقيق مُرادها مرتين، الأولى عندما فشلت في تمكين حلفائها اللبنانيين من إيصال رئيس منهم إلى قصر بعبدا....والثانية عندما أخفقت في منع انعقاد القمة العربية في دمشق، أو ربط التئامها بانتخاب رئيس للبنان، بدلالة أن كثير من الدول الخليجية والعربية المعتدلة، أكدت عزمها المشاركة في القمة، وعلى مستوى رفيع.
لكن السعودية، وإن خسرت جولة أمام سوريا، إلا أنها ما زالت تحتفظ بأوراق هامة وتستعد لجولات أخرى، لعل أهمها المحكمة الدولية التي يقال أن الرياض تعهدت بتسديد جميع العجوزات المالية التي تحول دون انطلاقتها بقوة، والمعروف أن هذه الورقة هي أخشى ما تخشاه الدبلوماسية السورية، خصوصا إذا ما استخدمت هذه المحكمة للانتقام والمناكفات وتسوية الحسابات السياسية، وهاجس "محكمة لوكربي" ما زال يحلق فوق رؤوس السوريين، حيث تم استخدام "العدالة الدولية" لابتزاز ليبيا ماليا وسياسيا وأمنيا، واتّبعت لهذا الغرض وسائل قذرة من نوع إخفاء معلومات وتزوير شهادات وشهود، وهو ملف تتكشف صفحاته يوما بعد آخر، ويتكشف معها تهافت المنظومة القيمية والأخلاقية للغرب عموما.
مركز القدس للدراسات .