بدهية لا يمكن تجاهلها أو القفز عنها ،أو حتى التعامل معها ،بما ينقص منها ولو شروى نقير ،وهي أن الأردن ،كان ولا يزال خطا أحمر ،وعصيا على التغيير، سواء من الخارج أو الداخل،وهذا هو المكتوب الذي تسلمه الجميع منذ تأسيس الأردن إمارة وتطوره إلى مملكة ،وكان القرار الدولي أن يبقى الأردن ، لكن فقيرا وضعيفا ،وبحاجة للدعم الخارجي وبالقطارة كما نرى هذه الأيام .
وحتى لا نبدو وكأننا نتحدث بلغة الإشارة ،والتعامل مع الرموز ، فإن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بعظمة نظامه وشعبيته ووزنه حتى في الأردن ،لم يتمكن من الإقتراب من الأردن بهدف قلب النظام أو إحداث التغيير ،وكذلك النظام السوري إبان حافظ الأسد ،ناهيك عن التهديات العراقية .
لن ننسى طبعا محاولات الإنقلاب الداخلية وحركات التمرد التي قام بها الجيش خاصة ما جرى عام 1974،وما جرى في الأردن إبان صعود المقاومة الفلسطينية ،ومجمل القول أن الجميع ومن ضمنهم إسرائيل قد تلقوا رسائل واضحة بأن الأردن خط أحمر ،لا مساس فيه ،وهكذا إستمر الأردن وتطور إلى ما هو عليه الآن دولة لها مكانتها في المجتمع الدولي وتسمع كلمة قيادتها ،رغم الفقر وصغر المساحة ،وقياسا بدول عربية ذات مساحات شاسعة وعدد سكان هائل وثروات كبيرة.
الأردن بلد محمي من الخارج ،وهذا ليس كشفا لأسرار،ولا مغالاة ،بل هو الواقع ،ومن يحميه سياسيا هي بريطانيا ،ومن يتولى أمره بصعوبة هي أمريكا ،أما إسرائيل فهي كمن تشتهي وتستحي في الوقت نفسه ،في نظرتها للأردن .
بريطانيا متمسكة بالأردن وترى أن وجوده ضرورة ،وكذلك أمريكا التي باتت طلباتها كبيرة ،بحكم موقع الأردن وتوسطه لكرات النار المتفجرة حيث فلسطين والإحتلال ،والعراق ،وسوريا ،وهاهي مصر تشكل الجبهة الرابعة التي ستؤثر على الأردن .
كما قلنا فإن إسرائيل ومنذ عهد السفاح شارون ،وهي تخطط للتغيير في الأردن ،وكانت خطته عام 1982 تقضي بتحميل اللاجئين الفلسطينيين من لبنان في شاحنات وتفريغهم في الأردن ،بعد التخلص من الحكم الهاشمي وإعلان الأردن دولة فلسطينية ،ولكن الرئيس الأمريكي آنذاك ،رونالد ريغن قد رفض الخطة وأشّر بخط يده على خطة شارون بالموافقة على غزو لبنان ،لكنه رفض البند الخاص بالأردن وكتب : الأردن بلد صديق.
يدور هذه الأيام ومنذ ولادة ما يسمى زورا وبهتانا "دولة العراق والشام"داعش ، حديث متواتر، وله ألف مغزى زغزى ،مفاده أن الأردن سيكون هدفا سهلا لهذه للعصابة المرتدة والخارجة عن الملة، وآخر طبعة امريكية تقول أن داعش سيتمدد إلى الأردن.
عند الخوض في هذا الحديث الإفك ، نجد أن هناك جوابين بإنتظار أي محلل سياسي ،الأول أن الطابعة الأمريكية التي طبعت الخبر ووزعته على وكالات الإعلام وفي مقدمتها الوكالات العربية ، تعمل على النسق الذي تعمل به ماكينة طباعة الدولارات الأمريكية التي تطبع الدولارات بدون رصيد من الذهب ،كما هو الحال بالنسبة لدول العالم ،لأن أمريكا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تطبع الدولارات الورقية ،وتكتفي بعبارة " بالله نثق "،على الدولار.
بمعنى أن الأمر ما هو إلا للإستهلاك المحلي وربما رسالة للأردن الرسمي ،مفادها أن هناك شيئا ما مطلوبا منه ،خاصة وأن الأمور في فلسطين والعراق وسوريا ضبابية وربما هناك مخططات ترغب الإدارة الأمريكية بتنفيذها ،وأن المطلوب من الأردن الإسهام بتلك الخطط.
أما الجواب الثاني فهو المرعب ، خاصة إذا ما أضفنا إلى المشهد إتهام الإخوان المسلمين بدعم داعش للمساعدة في إعادتهم إلى مصر بعد عودة الرئيس المخلوع محمد مرسي رئيسا فعليا ،مع أن قائدا داعشيا هدد بقتل الرئيس مرسي في حال "فتح" داعش للمحروسة مصر.
قصة الأردن وداعش ،تحتمل الإجابة بنعم أو لا ،ويحدد ذلك موقف كل من الثلاثي بريطانيا وأمريكا وإسرائيل من الأردن ،وتحديدا موقف بريطانيا لماهية العلاقة مع الأردن ،لكن أمريكا هي التي تأمر وتنهى هذه الأيام ،مع الإحتفاظ بالتقدير السياسي لبريطانيا .
داعش هو الإبن الشرعي لكل من أمريكا وبريطانيا وإسرائيل ،كما قال عميل السي آي إيه الهارب إلى موسكو،وكما كشفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون في كتابها الأخير "كلمة السر 360 ،حيث قالت أن أمريكا هي التي أسست داعش لتقسيم الشرق الأوسط، وهذا يعني أن كلب الحراسة الجديد، لن يقفز لأي هدف إلا بعد أن يوعز له صاحبه وولي نعمته.
مجمل القول أن داعش لن يتحرك بإتجاه الأردن إلا بعد تلقيه الضوء الأخضر من هذه القوى الثلاث ،ولأننا نعيش في مرحلة رمال متحركة فإن كل شيء جائز ومتوقع ،والخوف كل الخوف هو أن تكون هذه الجهات الثلاث قد فرطت العقد البمبرم مع الأردن الرسمي....وكل شيء جائز.