امريكا تفشل التحول الديموقراطي في المنطقة
14-08-2014 01:00 AM
كتب النائب علي السنيد
وجهاً لوجه وجد الاسلاميون انفسهم في مواجه مفتوحة مع بقايا النظام العربي بعد ان اوشكت مرحلة حراك الشارع العربي على الانتهاء، باخفاقات كبيرة للأسف تمثلت من جهة بافشال مرحلة التحول الديموقراطي في المنطقة بفعل فاعل، وواقعيا وبحساب ما نجم عنها من تغييرات جذرية طالت العديد من الدول والرؤساء، وهو ما زاد من رصيد العداء مع قوى التغيير الحية في المنطقة وعلى رأسها جماعة الاخوان المسلمين، واعتبارها الخصم اللدود لدى لانظمة.
وكان بدا ان الوضع العربي يتهيأ لانطلاقة ديموقراطية تاريخية يصار فيها الى وضع الاسس الحقيقية للانظمة الشرعية التي تحكم باصوات المواطنيين، وتعبر عن اراداتهم الحرة، وذلك عقب مواجهات دامية على صعيد المنطقة العربية انهارت فيها العديد من النظم التي حكمت لعقود بعيدا عن الارادة الشعبية، وادت الى تكوين نواة ثورات شعبية انفجرت في العديد من الدول العربية، وهي الكامنة في دول اخرى توشك ان تنفجر.
وبدا ان الوريث الطبيعي للانظمة القائمة هو الاسلام السياسي، وكانت جماعة الاخوان المسلمين هي المؤهلة فعليا لأن تحصد نتائج التحول الديموقراطي في المنطقة، وذلك على خلفية طبيعة ميول الرأي العام العربي الذي تشده التجربة الاسلامية التاريخية ، ويكاد ان يستحضرها، وتمكنت فعليا الجماعة الاسلامية من ان تصل الى الحكم من خلال صناديق الاقتراع في مصر التي تعد اهم بلد عربي ، ناهيك عن تونس التي لم تكشف الجماعة الاسلامية قوتها التصويتية الحقيقية فيها وقبلت بتقاسم السلطة. وبدا واضحا ان بقية دول المنطقة ستحذو حذو المصريين، وستؤول المنطقة برمتها الى حكم الاخوان المسلمين، والى النزول تحت حكم الاسلام السياسي حيث حكم الصناديق وتجسيد الارادة الشعبية، وهو ما سبقتنا فيه تركيا منذ سنوات طويلة، وحققت من خلاله نهضتها.
وهو ما كان يستدعي ارهاصات ما يمكن تسميته بالخلافة الاسلامية الناجمة عن الالية الديموقراطية، واستعادة صورة الحياة الاسلامية المكرسة في الوجدان الشعبي العربي، وهو ما يمكن ان تجسده رؤية الجماعة الاسلامية التي تحتكم الى الالية الديموقراطية.
وامام هذا الاحتمال الخطر من جهة النظام الدولي على وجه التحديد احدث الموقف الامريكي تغيرا بينا، وكأن امريكا التي حاولت ان تظهر دعمها المبدأي لحراك الشعوب العربية لم تكن لترضى بأن تؤول المنطقة الى بوتقة الاسلام السياسي. ولعل هذا ما يفسر كيف تسعى الدولة العظمى في هذه اللحظات الى اجهاض فكرة الخلافة من خلال طرحها بطريقة فجة بواسطة بعض الجماعات الاسلامية المسلحة المستجدة والطارئة، والتي اوحت بسلوكها وكأنها تقتل فكرة الخلافة ، وتطرحها بطريقة بدائية كي تجهضها، وهي تسعى من خلال سوكها المتناقض مع حقيقة الاسلام الى احداث ردة فعل شعبية ضد الحكم الاسلامي، وصولا الى احدث الانقلاب في الرأي العام الذي بدا انه يسير لصالح الاسلاميين.
وهذه الصورة لم تكن لتخفى على الانظمة السياسية العربية التي صمدت بعد الربيع العربي معتمدة على وسائل لا علاقة لها بتوفر متطلبات الارادة الشعبية، وانما كانت لديها المقومات المالية في استدامة الانظمة، والابطاء من نقمة الشعوب عليها، وهي التي لم تكن متوفرة لغيرها من انظمة المنطقة الساقطة، او ربما لاعتبارات داخلية اكثر صرامة.
وكان الموقف الامريكي يعطي هذه الانظمة الضوء الاخضر، وقد حددت عدوها اللدود الذي جاءت به الديموقراطية، وبسرعة فائقة وضعت مهمة الخلاص من جماعة الاخوان المسلمين على قمة اولوياتها، ودفعت بكامل قدراتها المالية لاسقاط التجربة في مصر ابتداءا، وبعد ذلك محاصرة التنظيم وادراجه في خانة الجماعات الارهابية في اماكن تواجده، وحظره، وفرض تشريعات وقوانين لمكافحة الارهاب كي تجرمه كما جرى في الاردن ، وبالتزامن مع اربع دول عربية اخرى.
وقد صمتت امريكا، وصمت ما يسمى بالعالم الديموقراطي على مجزرة وأد الديموقراطية في مصر، والتي هي في طور التوسع في المنطقة العربية لاجهاض التحول الديموقراطي فيها لأن نتائج صناديق الاقتراع لم تكن محسومة وفقا للرغبة الامريكية، وتحسبا من وصول الاسلاميين الى السلطة تفشل امريكا مرحلة التحول الديموقراطي العربية، وتدفع بداعش الى سطح المنطقة العربية للتشويش على التجربة الحضارية الاسلامية ، والتي كان يمكن ان يمثلها الاخوان المسلمون فيما لو استتب لهم الامر.
وواضح انها تغض الطرف عن الهجمة الدموية المعاكسة التي تشنها الانظمة العربية على الجماعة، ووضعها في دائرة الاستهداف لاخراجها من معادلة المنطقة العربية السياسية.
ووجد الاسلاميون انفسهم في مواجهة حتمية مع هذه الانظمة، ونقمتها في ظل غض النظر الامريكي عن احتمالات اجتثاثها الجارية، ووضعها موضع الاستهداف، وكانت الحرب على حماس في غزة – كونها جزءا من التنظيم- فصلا من فصول محاولات شطب جماعة الاخوان المسلمين ، واخراجها من معادلة المنطقة برغبة الانظمة العربية التي هي بقايا النظام العربي.
امريكا تكشف وجهها القبيح في كل محطة اختبار تاريخية يمر بها العرب، وهي تتكشف عن سوء نواياها في المنطقة العربية التي تكسرت فيها احلام التغيير، وان الرهان عليها ليس في صالح العرب في وصولهم الى حقهم في امتلاك سلطاتهم، واوطانهم، ومقدراتهم.
وهذه الانظمة العربية التي تستجيب اليوم لاسقاط حكم الاسلام السياسي، والقفز عن تجربة الاخوان المسلمين باعتبارها العدو الرئيسي للانظمة لن تستطيب لها الاحوال ، او يقر لها قرار ، ولن يكون الاستقرار نظير سحق الاخوان المسلمين، ولن تنضبط المنطقة لصالح الانظمة التي تفتقر الى شرعيتها الشعبية، وانما سيكون البديل المر والذي بدأ يطل برأسه وهو سيادة احوال الفوضى والاضطرابات ، وانبعاث المليشيات المسلحة .
فحيثما تفشل الديموقراطية تتحرك الفوضى والاضطرابات، وستصبح المنطقة وربما غدت فعلا مسرحا للعنف ، وستجد الانظمة نفسها التي سعت لاخراج الاسلام السياسي من العملية السياسية في مواجهة المليشيات الاسلامية المسلحة، وربما تتسيد المنطقة التي خسرت ديموقراطيتها، وتكون خسرت استقرارها ايضاً.