قطار المجهول الى أين سينقل الأردنيين؟
فايز الفايز
16-03-2008 02:00 AM
تسجل الحكومة نقطة للوراء بعد ان الزمتها المكرمة الملكية بتأجيل تنفيذ رفع أسعار الغاز والأعلاف ، خاصة إذا ما عرفنا إن الحكومة قد اتفقت " إتفاق رجال " مع بمجلس النواب وخاصة اللجنة المالية على تأجيل الرفع حتى آخر السنة ، مع إن جميع هذه الإتفاقات والجهود والأفكار ليست سوى ترحيل للمصائب المتوالية على فقراء البلد الى وقت قادم ، يموت فيه من يموت ويولد من يولد .ويهرب من يهرب من أزلام الأعمال والتجارة .
وفي الوقت الذي تتوقف فيه ساعة المؤقت عن رفع مادتي الغاز والأعلاف والأولى منها تمس الشارع العام بينما الثانية تمس الشارع الخاص والخاص جدا ، بل والخلفي جدا ممن ليس في حسابات من يتلذذون بحفلات "الباربكيو " في هذا الوقت ، تذكي الحكومة النار تحت قدر رفع أسعار مواد أخرى ، لتخرج من باب المواطن فتدخل له من الشباك .فأسعار الكهرباء قد دخلت حيز التنفيذ ، ووزير المياة قام بإطلاق بالون الاستكشاف تمهيدا لرفع أسعار المياة ، والمواد التموينية الأساسية لا تزال تجري حافية القدمين ، عارية الساقين ، مكشوفة الصدر ، لتنتهي تماما كفاتنة الشاشة ترى بالعين ، لتشتهيها الأنفس ، ثم لا تطالها الأيدي ، سوى لمن يستطيع أن يدفع ، كعادة كثير من سادة الكيف ، أما المواطن المقهور نفسيا وعائليا ، وماليا ، فليذهب الى الجحيم ، فلم يعد هذا البلد يتسع للكثير من الفقراء والأغبياء الذين اعتادوا أن يشموا ترابه حتى التخمة .
لا ندري لماذا لا تزال الحكومة تفاوض الدول والنوادي الدائنة لشراء ديونها مقابل استثمارات داخلية ، بل لا ندري ما هي هذه الاستثمارات وهل بقي شيء يستثمر ، بعد أن خصخصت الكنوز التي كانت بين أيدينا ترابا ، لتنتثر بين أيدي البعض ذهبا ؟
فإذا ما عرفنا ان روسيا مثلا قامت بشطب ديونها على العراق والبالغة عشرة مليارات دولار ، علما إن هذه المستعمرة الأمريكية البراغماتية الليبرالية الجديدة تستطيع ان تسدد هذه المليارات خلال سنين قليلة بالاتفاق مع أصحاب" المطبخ العراقيكي " ، إذا ما عرفنا ذلك ، سيقفز أمامنا سؤال : لماذا لا تـُشطب الديون الخارجية عن الأردن على الرغم من الخدمات الجليلة التي يقدمها الأردن للعالم ، وتحمله لأعباء الضيافة غير المرغوب فيها خلال عقدين من الزمن قد مضت ، أو على الأقل شطب نصفها أو ربعها أو وقف عجلة الفوائد التي تطحن كل أمل في الفكاك من براثن هذا الهم الأردني الذي لم أتسبب أنا شخصيا والآلاف مثلي به ، ولم أعرف كيف وقعنا بحبائله ، ولم نستفد منه شيء على الأطلاق ، فلا تزال مدرسة قريتنا التي تبعد عن مدرسة الشويفات مثلا 13 كيلومتر فقط ، لا تزال تتكون من 3 غرف صفية ، وهي مدرسة مختلطة " لمزيد من الشفافية والانفتاح " حتى الصف السادس ، وتـُرك الناس هناك ليضربوا أروع الأمثلة في الإعتماد على النفس في العيش والدراسة والتفوق ومنافسة أبناء الذوات الذين يقيمون سرادق العزاء لمن يقل معدلات أبناءهم عن الرقم 90 ، لأن هذا الرقم مقدس بالنسبة للأباء البنكنوتيين والدولاريين وأصحاب الثقافة اللاس فيغاسية .
أما تراب تلك القرية فقد أصبح رمادا تذروه الرياح ، فلم تعد حقولها تنتج قمحا ، ليخبز خبزا ، ويأكل منه الأنس والطير ، كما هو الحال في بداية السبعينيات من القرن المنصرم ، حينما تعطلت " مطحنة بدير " ولم تفتح المخابز أبوابها للعامة ولا للخاصة ، فقد جاءت عملة ورقية اجنبية خضراء تحمل صورة رجل أصلع أصبح ، سال لها لعاب الرجال ، فاستبدلوها بترابهم ، ولو كانت تلك العملة تحمل صورة حسناء ناهدة لاستبدلناها بنسائنا وبيوتنا وأبناءنا ، بل ولبعنا المقابر أيضا .
أعتقد وأنا الثرثار ، وكثيرا ما أهرف بما لا أعرف ، ولا يعول على اعتقادي ، بأن هذا الحال لن يدوم كثيرا ، وسنبكي دما على هذه الأيام وما سبقها ، من لُحمّة اجتماعية ، وخجل شعبي ، وآمان عام ، ونزاهة وظيفية ، وأيد نظيفة ، وانتماء صادق ، في ظل التخبط في قرارات رجال يرفعون أسعار المحروقات والمواد التموينية وهم لا يقفون أبدا في محطات الوقود ، ولا يحملون " الفكة " في جيوبهم ، ويخططون لجعل العاصمة عمان والت ديزني ، و هم غير معتادين على التجول في كثير من شوارعها المليئة بالحفر والنفايات والروائح .
ومصيبتهم إنهم عندما يتذكرون إننا فقراء مدقعين بحاجة ماسة الى عشرة دنانير ، يزوروننا حاملين هدية وهي بدلة رسمية ثمنها ألف دينار ، ليقولوا إلبسوها ، ونحن لا نملك ماءا لنغتسل ، ولا حذاء يليق بهذه البدلة ، والأهم ليس لنا كرشا ليضفي لمسات الأناقة على تلك البدلة ، والأنكى ، إننا لم نقل : يا هذا ، وفر لي خبزا بدينار ، ولا تهدني ثوبا بألف دينار .
قطار الفقر المجهول يسير الهوينى حاملا الأردني تلو الأردني نحو معسكرات باردة موحشة ، يلف فيها الرجال ورق " الهيشي " لينفثوا دخان القلوب ، وهم يودعون حقولهم التي زرعوها طيلة العمر ، ونسائهم يحملن الأطفال في الأحضان ، ويحملن دموعا ترقرقت ، ليشرب منها أطفالهن ، فلم يعد هناك مكان لثدي بين الشفاه .!
والحكومة الرشيدة ، وكسابقاتها من الحكومات الترقيعية ، تجاوزت سباق مئة يوم جري ، ولكنها لم تحرز أي من الميداليات ، ليس لأنها لا تريد ، بل لأن شوط البطولة طويل ، فهل سيبقى الجري بنا الى الوراء ؟ وهل سيبقى جلالة الملك يقف على رؤوس رجالها ليوجه ويحاسب ، ويزور من نسيته الحكومات ؟
Royal430@hotmail.com