الواقع العربي وتفكيك قيم التطرف
أ.د. أمين مشاقبة
12-08-2014 06:39 PM
ما يجري في المنطقة العربية من صراعات دمرت مختلف مجالات الحياة في العديد من الدول يدفع المرء إلى البحث عن الدوافع والمسببات منها ما هو ظاهر للعيان والآخر مخفي ومستتر، فالظاهر للعيان من دمار وقتل، وصراعات لا داعي للحديث عنها إنما الشيء المستتر وفي ضوء التحليل فإن هناك قوى خارجية تفعل مفاعيلها بالمنطقة يخلق حالة الدمار والفوضى وإرجاع المنطقة لعدة عقود إلى الوراء.
في البدء فإن الحركات الإسلامية المتطرفة والتكفيرية مثل» «القاعدة»، و»داعش» وغيرهما ما كانت إلا حركات مدعومة غربياً عندماً بدأت في محاربة الشيوعية في أفغانستان والآن ما بعد أفغانستان تعبث خراباً في اليمن والعراق وسوريا وبقية دول شمال إفريقيا ولمصلحة من؟ ومن المستفيد؟ هل هي الأنظمة العربية أم شعوبها؟ هي المستفيدة من كل ما يجري الجواب على ذلك بلا، وبالمطلق أن الخاسر الوحيد هو الشعوب العربية والأنظمة السياسية القائمة والتي تدفع الثمن باهظاً جراء كل ما يجري في المنطقة. بعد الانهيار الذي أصاب الاتحاد السوفييتي الذي كان يمثل العدو اللدود لأمريكا والغرب نصح بعض القادة العسكريين في الولايات المتحدة بالبحث عن عدو جديد بدل الشيوعية، فكان الإسلام، وظهرت آنذاك بعض الأطروحات منها فاكوياما نهاية التاريخ الذي عدل عن رأيه العام فيه، ونظرية «صراع الحضارات» لصموئيل حاتنغتن وهي على ما يبدو الرائجة والسارية المفعول في منطقتنا الآن، ووجدت أدواتها في الجانب المتطرف من الإسلام، فأشعل الصراع المذهبي، والعرقي، والإقليمي لعملية تفتيت المنطقة برمتها إلى دويلات مذهبية طائفية عرقية متصارعة لا أحد يقبل الآخر، فالأنموذج العراقي أو السوري واضح للعيان، وفي نفس الوقت فإن دولة إسرائيل تطالب «بيهودية الدولة» للديانة اليهودية والعرق اليهودي فقط لكي تتساوى مع ما هو مطروح على الساحة، وعليه فإن الحركة الصهيونية ليست بعيدة عما يجري في المنطقة من حالة تفتيت وتقسيم المجزأ لكي تسود الإمبراطورية اليهودية (الإسرائيلية) في المنطقة، فهي الأقوى عسكرياً، واقتصادياً والمطلوب بعد مرور ما يزيد على مائة عام سايكس- بيكو أن تكون هناك خريطة جديدة في المنطقة تتفق مع الرؤيا الصهيونية وتدفع باتجاه سيطرة إسرائيل على كامل المنطقة اقتصادياً وعسكرياً وإلا ماذا يعني الإمعان الإسرائيلي بتدمير غزة، فالمطلوب هو الاستسلام الكامل، ترك العراق لكي يُقسَّم إلى ثلاثة أقاليم أو مناطق سنية، كردية، وتترك سوريا لنفس الهدف لأن النظام القائم لا يستطيع أن يحسم المعركة بالطائرات أو البراميل المتفجرة وعلى ذلك يمكن القياس.
إن هناك قوى فاعلة في النظام العالمي تسعى لتشويه صورة الإسلام القائم على العدل والتسامح إلى صورة القتل والدمار وبدم بارد هذه القوى المسيرة، من «داعش»، أو «القاعدة»، أو غيرها من مسميات ما هي إلا أدوات للوصول للمشهد الأخير من المسرحية القائمة وتدمير وتشويه صورة الإسلام والمسلمين الذين ألصق بهم مفهوم «الإرهاب»، فالعربي المسلم أينما كان هو مشكوك به أنه يحمل في جناته بذور الإرهاب والتعصب والتطرف، فالأمثل لنا لمواجهة هذا التحدي هو تفكيك قيم التعصب والكراهية والتطرف من خلال إعادة النظر بمنظومة القيم الاجتماعية والدينية السائدة والبحث عن الاعتدال والتسامح كقيم نحتاجها اليوم أكثر مما مضى.
(الدستور)