يتحفظ كبار المسؤولين على تقديم تفسير مقنع لتواضع الإنفاق من المنحة الخليجية، والذي تؤكد الأرقام أنه لم يتجاوز نسبة 35 % من إجمالي الإنفاق المخصص للعام الحالي.
الحكومة تُحجم عن التفسير، فتظهر فاقدة للقدرة على إقناع الناس بما قد يظنونه فشلا في زيادة الإنفاق، رغم توفر المخصص المقدم من أموال الدول الخليجية. إذ لا يكون من سبب ظاهر لذلك سوى ضعف إمكانات الحكومة على صعيد التخطيط والإنجاز.
هكذا تبدو الصورة، وعلى هذا النحو تُفسر الأرقام. إذ يُقرأ انخفاض الإنفاق من المنحة الخليجية التي تعطي للأردن مبلغ مليار دولار سنويا، في سياق عدم قدرة الحكومة على الإنفاق الرأسمالي.
في العادة، كان ثمة انخفاض في هذا النوع من الإنفاق، وطالما سمعنا قصصاً كثيرة تتحدث عن تسارعه في الأشهر الأخيرة من كل عام كواجب وطني، بهدف التخلص من تهمة انخفاض الإنفاق. وفي سنوات سابقة، كثيرا ما توقفت النسب عند حدود 70 %، أو ربما أكثر قليلا.
لكن هذه المرة هناك ما هو مسكوت عنه، وما تتحفظ الحكومة، بمختلف مسؤوليها، عن قوله صراحة، ويرتبط بمماطلة الدول المانحة في تسديد دفعات الأموال؛ إذ تعطل التدفق من قبل هذه الأخيرة، فيما الحكومة عاجزة لا حول لها ولا قوة.
الحكومة تتبع الأسلوب الناعم، وتتجنب البوح بالحقيقة، خوفا من إزعاج الأشقاء، لعل وعسى أن تسرع وتيرة تقديم الأموال التي يحتاجها الأردن أكثر من أي وقت مضى، بسبب تواضع النمو الاقتصادي، والحاجة إلى تحقيق معدلات أعلى تناسب معدلات النمو السكاني التي قفزت بسبب اللجوء السوري، ومعها الضغوطات الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد.
ولولا المعلومات القليلة التي تتسرب من قنوات لا تفضل الكشف عن هويتها، لما عُرف أن الحكومة ربما تكون لأول مرة متحفزة للإنفاق، وتمتلك مشاريع جاهزة قابلة للتنفيذ ضمن شروط المنحة، وقد تم الاتفاق عليها فعلاً.
يهمس المسؤولون، ويتعاملون بأقصى درجات الدبلوماسية في محاولة لحل العقدة. وتلتئم لهذه الغاية اجتماعات كثيرة، إضافة إلى تبادل رسائل إلكترونية طويلة ومتوالية، من أجل شرح الموقف والطلب من تلك الدول الالتزام بتسديد الأموال بحسب الاتفاقيات المبرمة.
الحكومة في موقف لا تحسد عليه؛ فهي من ناحية لا تقدر على البوح، حتى لا تغضب الأشقاء، فيما تجابَه من ناحية أخرى بمستوى نقد عال، واتهامات كثيرة بقصور عملها.
لا أحد يملك إجابة شافية بشأن أسباب عدم تدفق الأموال بوتيرة مريحة، تساعد الأردن قبل الحكومة على تجاوز المرحلة الحالية، والتي لم تخففِ المنحة الخليجية في الحقيقة من حدتها؛ كونها وُجهت للإنفاق الرأسمالي الذي كان ذلك شرطا لها، كما ربطت آلية الدفع بالإنفاق الفعلي، علما أن هذا أمر إيجابي؛ فهو قد يعيق الإنفاق، إلا أنه يضمن في المقابل توجيهه وعدم هدره إلى حد ما.
المحزن أن ثمة تلكؤاً عربياً لا أحد يعرف أسبابه، يعكس ضعف اهتمام الأشقاء بالأردن، رغم معرفتهم التامة بأن جزءا من مشاكل الأردن تفاقم نتيجة أحداث الإقليم التي يتداخل فيها الجميع.
وبعكس ما يجري مع الأردن من تأخر في تقديم الأموال، نشهد كرما كبيرا مع دول عربية أخرى، بما يعيد الحديث والتساؤلات حول سبب اتباع مثل هذا الأسلوب مع الأردن الذي لا يبخل، رغم محدودية موارده، على أي من الأشقاء في أزماتهم، والتي طالما تحمل الأردن كلفها.
خلال العامين الماضيين، لم يتلقَ الأردن منحا إضافية، باستثناء تلك المقدمة في إطار المنحة الخليجية، ما يعكس جفاء للأردن غير مبرر، اللهم باستثناء التعامل الودي الفائض عن الحاجة مع دول ما يزال يُنظر إليها على أنها شقيقة.
غياب الود عن العلاقة حدّ الجفاء، وبالتالي عدم تقدير الحاجة إلى دور الأردن الاستراتيجي، وهو حقيقي ومحوري بالمناسبة، سيزعج الأردنيين الذين يقدمون ما هو ممكن للأشقاء، فيما يعامَلون بغير ذلك!
(الغد)