المصارحة والمصالحة شرط أساسي
د. محمد أبو رمان
12-08-2014 04:49 AM
أثبت سلوك النظام المصري (بعد 4 تموز (يوليو) 2013- الإطاحة العسكرية بالرئيس محمد مرسي وما تلاها) بأنّ ما حدث كان انقلاباً عسكرياً كامل الدسم؛ وبعبارةٍ أوسع وربما أكثر دقّة: نجاحاً للثورة المضادة، تكرّست بالعودة إلى ديناميكيات النظام السابق، مع وجوه جديدة، بل بنسخةٍ أسوأ، تأخذ طابعاً عنصرياً وفاشياً، ليس فقط ضد جماعة الإخوان المسلمين، بل تجاه أغلب القوى السياسية التي تريد التغيير والديمقراطية، وحتى ضد الثورات العربية الأخرى عموماً.
هل يعني ذلك، بالضرورة، أنّ "الإخوان" لم يخطئوا في إدارة المرحلة الانتقالية وتسيير شؤون الحكم خلالها، وأنّهم فقط ضحية هذا الانقلاب العسكري وقوى الثورة المضادة والأجندة الإقليمية العربية الداعمة لها؟
يتمسّك بهذه القراءة تيارٌ معتبر في جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي، والنخبة التي تمسك بعنان القيادة في الجماعة بمصر.
ويردّون على دعاوى المطالبة بمراجعات والقيام بعملية "نقد ذاتي"، بأنّ لحظة المحنة الراهنة لا تسمح بذلك، وستشتّت الجهود في مواجهة قوى الانقلاب، وبأنّ ما تتعرّض له الجماعة من ابتلاء أظهر مصداقية قيادتها وإخلاصها، دليلٌ ساطع بأنّ القضية لم تكن مرتبطة بأخطائها، وإنّما بأمرٍ "دُبِّر بليل"، وبأجندة لم تعد خافية على الرأي العام.
تلك القراءة تمثّل نصف الحقيقة؛ أي ما يرتبط بالأجندة المبيّتة مسبقاً لعودة النظام السابق، وربما تزكّيها فعلاً التضحيات المشهودة لقيادات "الإخوان" وإصرارها على مقاومة الانقلاب والثمن الإنساني الباهظ الذي دفعته قوى الدفاع عن الشرعية. لكنّ في المقابل، هناك مساحة واسعة ما تزال ملتبسة وتحتاج إلى "تصفية حساب"؛ وبعبارةٍ موجزة: "مصالحة وطنية" تقتضي اعترافاً واضحاً من الجماعة بالأخطاء التي ارتكبتها قبل الانقلاب، ودعوة إلى التصالح الوطني ورصّ الصفوف مع النخب التي ابتعدت عن مسار الثورة، مؤقتاً، خشيةً من الجماعة وبرنامجها المخفي المزعوم.
من دون هذا الإعلان الواضح الصريح الصادق، لن تلتئم الجراح ولن تزول حالة الضبابية، وستبقى هناك حالة ملتبسة وانقسام داخلي حول الجماعة ودورها كإحدى قوى الثورة الديمقراطية، حتى وإن اكتسبت تعاطفاً جديداً من تيار عريض في الشارع المصري. ولن يجدي الرهان على وقوع "الحكم الجديد" في "فخ" الأخطاء والأزمات السياسية والاقتصادية فقط!
إذن، ثمّة مهمّة ليست منجزة من قبل الجماعة، وإتمامها بصورة جيدة وذكية سيقرّب المسافات ويزيل شيئاً كبيراً من الضبابية الراهنة من جهة، ويمثّل من جهة أخرى، "نقطة تحول" مهمة في استعادة زخم الثورة الديمقراطية وفلسفتها، والتوافق الواضح حول أهدافها الجوهرية. وللأمانة، جرت محاولات من قبل قيادات إخوانية تمّ قطعُها من خلال القيادة الحالية. ودُفعت نصائح للجماعة من قبل أصدقائها ومحبّيها وأنصار المسار الديمقراطي، إلاّ أنّه تمّ تجاهلها بذريعة شعار "لا صوت يعلو فوق صوت مواجهة الانقلاب".
وطالما أنّ المصارحة والمكاشفة هما هاجس هذا المقال، فمن الضروري الإشارة هنا إلى أنّ الخطوة الإصلاحية النقدية ليست مقتصرة على الجماعة. فكذلك النخبة السياسية الإصلاحية الديمقراطية الوطنية ارتكبت أخطاءً فادحة، سواء عبر ركوب جزءٍ منها عربة الثورة المضادة، لفترة من الوقت، مستسلمة لمخاوفها "العلمانية"، أو استنكاف جزءٍ آخر عن القيام بدوره المطلوب في مواجهة الانقلاب والدفع نحو "المصالحة السياسية".
تبقى الخطوة الإخوانية، لخصوصية تجربة الإسلاميين وقوتهم في الشارع، بمثابة المفتاح المهم والشرط الرئيس للانتقال نحو مرحلة جديدة مختلفة من مواجهة الأجندات الأخرى، التي تسعى للعودة بالبلاد والعباد نحو القبول بثقافة الدكتاتورية والحكم التسلطي، ومسح قيمة الثورات الديمقراطية بوصفها مرحلة جديدة في تاريخ الشعوب العربية.
انعكاسات وظلال مثل هذه الخطوة الإخوانية المطلوبة، إن حدثت، لن تقتصر على الحالة المصرية، بل ستكون لها آثارها المهمة على صعيد المجتمعات العربية الأخرى.
(الغد)