الاسلاموفوبيا والتشخيص الخاطيء
سامر حيدر المجالي
15-03-2008 02:00 AM
التناولُ الفج لموضوع الاسلاموفوبيا ، أو الخوف من الإسلام كما يترجمه البعض ، يظهر مشكلة في تلقي مُسلَّمات لا تُعطى حقها من التحليل والتمحيص ويتم التعامل معها بخضوع وانبهار كاملين ، خصوصا إذا كان مصدر هذه المسلمات غربيا وتم إخراجها على شكل مصطلحات علمية توحي بالثقة والموضوعية ، فيتعطل التفكير من أساسه وتكون النتيجة تخبطا وهذرا في الكلام لا يزيد القضايا إلا تعقيدا والأفكار إلا تشويشا .هذه هي محصلة نقاشات كثيرة ، كان آخرها النقاش الذي دار في القمة الإسلامية المنعقدة حاليا في داكار والتي خصصت جزء طويلا من برنامج يومها الأول لتحليل ظاهرة ( الاسلاموفوبيا ) والسبل الكفيلة بعلاج الظاهرة وعكس صورة مشرقة عن الإسلام وحضارته .
ووجه الاعتراض هنا ليس إعطاء هذا النوع من القضايا أهمية خاصة ، فهو واجب حضاري ومسؤولية يتشارك الجميع في حملها ، دولا وأفرادا ، منظمات ومؤسسات . لكن المشكلة تكمن في نقطتين : الأولى هي حقيقة الموقف الغربي من الإسلام ، والثانية هي النطاق الذي تتواجد ضمنه الاسلاموفوبيا وتلعب فيه دورها المهم ، فهي مشكلة تشخيص للمرض من ناحية ، وعجز عن الاهتداء إلى مكامن فتكه من ناحية أخرى .
الموقف الغربي من الإسلام لا يندرج تحت مفهوم الفوبيا ، وليس يمت إلى الخوف بصلة من قريب أو بعيد . فالفوبيا خوف مَرَضيّ غير مبرر ، يَظهَرُ على شكل هلع تصاحبه أعراض جانبية كالتعرق والغثيان ، هذه الحالة تجعل المصاب بالمرض عاجزا عن مواجهة الموقف ، ويستلزم التغلب عليها مشوارا طويلا من العلاج التدريجي إلى أن يتمكن المصاب بالفوبيا من التخلص من هلعه والقدرة على مواجهة ما يخاف منه بثبات ورباطة جأش .
وجلي تماما أن موقف الغرب من الإسلام هو صراع عنيد موغل في القدم ، اتخذ في أحيان شكل صراع عسكري وحملات جرارة ، وفي أحيان أخرى اتخذ شكل صراع فكري وغزو ثقافي . وما سلمان رشدي وبنديكت السادس عشر والرسومات المسيئة والحملات الصليبية وغير ذلك ، إلا محطات في طريق هذا الصراع الذي ما خمدت ناره لحظة واحدة . فالخصم هنا رابط الجأش يعرف هدفه جيدا ويتحرك باتجاهه بناء على خطة مدروسة ومنهج واضح الأركان ، وهو قادر على المبادرة والوصول إلى أكثر الأهداف عمقا بإصرار وقوة .
فأين هذا كله من الفوبيا ؟ وكيف نقبل تصوير الخصم الشرس العنيد على أنه ضحية الخوف والهلع ؟ صحيح أن ما يتم تلقينه للعامة في الغرب وما يُزرَعُ في أدمغتهم كفيل بأن يُنشئ حالة الفوبيا عند قطاع محدود منهم ، لكن المهم في الموضوع هو ما يتم صنعه في مراكز القرار وعند الساسة والمثقفين الذين لا يعرفون الفوبيا ولا يسكنهم تجاه المسلمين غير العداء والكراهية المطلقين .
أما إذا أردنا أن نتحدث عن الاسلاموفوبيا الحقيقية ، فالواقع يقول أنها ليست ببعيدة عن ديارنا ونحن أول المتهمين بها والواقعين في حبائلها . ولكم أن تعودوا بذاكرتكم إلى أشياء كثيرة ، منها الحملة المنظمة التي يتعرض لها مفهوم الإسلام السياسي ، والكيفية التي يتم من خلالها الربط بين تجربة حزب ما أو حركة بعينها ، قد نوافقها في بعض توجهاتها ونخالفها في البعض الآخر ، ليتم إسقاط هذه التجربة على المفهوم كله والتحذير من إقحام الدين في أي شأن عام ، بطريقة هي إلى الفوبيا أقرب منها إلى أي شيء آخر .
تاريخ طويل من التضييق والخنق والصراع المرير والمجازر الحقيقية في غير بلد مسلم ضد الأفكار في مهدها وضد خيارات ديمقراطية تم نسفها من أساسها خوفا من فكرة الإسلام وهلعا منه .
حتى الحجاب الذي هو رمز العفة والطهارة تم نزعه بقوة العسكر في بلد عربي موغل تاريخه عمقا في الإسلام وفي التدين . والرموز البسيطة التي لا تقدم ولا تؤخر شيئا في الشأن العام تتم مهاجمتها والنيل من أصحابها ، لا لشيء إلا لأنها تعبر عن فكرة معينة تثير عند بعض الإصلاحيين هلعا مستفحلا لا يستطيعون الخلاص منه . والعجب كل العجب من كتاب ومثقفين شغلتهم قضية الزبيبة وشكل اللباس عند بسطاء الناس وعامتهم ، وتركوا القضايا الكبرى فلم تنل منهم أدنى اهتمام .
هذه هي الاسلاموفوبيا الحقيقية إذا أردنا أن نعرف ما الذي نتحدث عنه .
samhm111@hotmail.com