لهم النصر ولنا الأغاني .. *ناهض الوشاح
09-08-2014 06:38 AM
للفرح مواعيد صغيرة يغفو على حدقة القلب .يرسو بميناء عينيك ... ليحنو عليك حين كنت بانتظاره... وللحزن شفتان صدئتان وأغاني قديمة ومواعيد لا تعرف النسيان ....
على حافة نهارات معتمة ... تُجرجر الخيبة أذيالها ... وتلعق الحجارة أقدام الحشود المارة على مرمى من ثرثرة فائضة عن الحاجة ... أراهم في شوارع المدينة الصغيرة التي تحمل الشعارات الكبيرة ... يتأبطون هواتفهم ويتنقلون من رصيف في شارع (الرينبو) إلى مقعد حجري يشبه دموعا ذرفتنا ونحن بالأمس قابعون خلف شاشات التلفاز ... حَقدنا ... كَرهنا .. عَرفنا ... لكننا نمارس الحياة على أحسن حال ... ونطارد نهدا فرّ من مرحلة طفولة مبكرة ... وقميص لهفة نفتحه على صدور تفيض وهما بأن ما نعيشه وما نراه هو الحياة .
تسيل الكلمات من زوايا أفواهنا المفتوحة على ما نشتهي ... نأكل ونشرب ولا نستطيع التحرك إلا بمقدار إصبعين على مساحة أزرار (الريموت) لتحويل القناة من مشاهد الأشلاء والشهداء إلى أغاني تشحذ همما أربكها الوقوف في الطرف الآخر من عالم تشعر أنه لا يعنيها .
صدقنا القصائد وابتهجنا بالخطابات ومارسنا طقوس الفرح بالمفرقعات والرصاص في السماء ... أرهبنا به الأطفال وروعنا به الناس الآمنين وزرعنا خربشاتنا في الساحات الوهمية ... كل ذلك ونحن جالسون في مكان واحد ... وكل واحد في مدينة غزة يبكي حالنا ويخوض حربه بدوننا ...
البهجة تملأ الشوارع ... الأغاني في السيارات ... في البيوت الصغيرة والمدن الكبيرة ... في ساحات المدارس والأسواق في نغمات الهواتف و(الراديوهات) ... كل تلك الأغاني لن يذكرها التاريخ ... لأن نصرا صنعه أطفال غزة لن يغطي عوراتنا ولن ينُهي اغترابنا ... يا أطفال غزة موتوا كي نعيش ونغني لكم ونكتب عنكم قصائد تواريكم إلى مثواكم الأخير ... نحن نغني وأنتم تنتصرون .
أي عار يلحق بالبشرية وأي حياة تلك التي ندّعي أننا نحياها وأي كوكب قردة يمكن له أن يحكم عالما فقد فيه كل توازنه وبأن ما يراه ليس سوى فيلم رعب أو كابوس سينتهي بمجرد أن نرحل من المسرح وندخل في الزحام تحت التراب .
عُراة نقف أمام موت يُحدّق فينا ونحن كالبلهاء نُحدّق في دينا ابنة المدينة المحاصرة ... ابنة وطني وشعبي التي أغمضت عينيها كي لا ترى الموت والقتل والنار تشتعل في بيتها وأهلها ... حاولت أن ترى هناك حياة أخرى في مكان آخر ... فتحت يديها فلم تجدنا بجانبها ... حاولت أن ترى انكسارنا وخذلاننا لها ... لكن شظايا القذائف سرقت عينيها ولم تسرق دموعنا ولا حتى قلوبنا .
هي لم تقرأ تشريح الانحطاط العربي ولم تقرأ حياة في مكان آخر ... هي لم تلتقي (بميلان كونديرا) وهو يكتب في كائن لا تُحتمل خفته
_الأنظمة المجرمة لم ينشئها أناس مجرمون وإنما أناس متحمسون ومقتنعون بأنهم وجدوا الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى الجنة.فاخذوا يدافعون ببسالة عن هذا الطريق ومن اجل هذا قاموا بإعدام الكثيرين ثم فيما بعد أصبح جليا و واضحا أكثر من النهار إن الجنة ليست موجودة هنا وإن المتحمسين كانوا إذا مجرد سفاحين.
هي لن ترانا ونحن نراها ...
صغيرتي دينا النصر لكم ولنا الأغاني ... للخارطة ... للمذبحة لأرض اسمها وطنك فلسطين .